منصة قلب إفريقيا الإخبارية

الناشط السوداني حسين ترس يكتب .. ايام في الجحيم

الكفرة :قلب افريقيا

لقد أدى استمرار الحرب لأكثر من ثمانية أشهر متتالية إلى قتل رغبتنا في البحث عن المعرفة ، واصبحنا مقطوعين الايادي ، وكنا نحن الشباب هدفاً للجنجويد وصانعها.

في نهاية شهر أكتوبر من العام الماضي، يوم  عشرين بالتحديد، كانت آخر ليلة استطعت فيها أن أتكلم ، كما كانت آخر ليلة ودعت فيها حبيبتي التي أتمناها وأتذكرها في كل لحظة ، عندما كنت في مقاهي سوق ستة (أشهر سوق في معسكر  الحصاحيصا) بوسط دارفور بعد أن اشتدت الحرب وانقطعنا عن القرار وتوصلت إلى قراري الأخير بشأن الوطن من أجل البحث عن حياة ذات قيمة إنسانية أو بالأحرى البحث عن وطن تقدر فيه القيمة إنسانية .

قررت أن أرسل رسالة إلى حبيبتي ولكنني خشيت من ردة فعل هستيرية ، خشيت أن تسيل دموعها وهي بعيدة عن حضني ، وأخيراً عرفت أنها تمتلك الحكمة في المواقف الصعبة فأخرجت هاتفي (Nokia ) وكتبت رسالة طويلة تحدثت فيها عن الوطن والوطنية واختتمتها بعبارة سأحبك إذا فرقتنا الحرب .

بعد ردة فعلها الهستيرية تجاه خبري الصادم دفعتني لزيارتها ، لعلها لاتكون فرصتنا الأخيرة في الحياة ، وبالفعل كان اللقاء الأخير ، حيث توجهت إلى رفيقتي في طريقي ، واي طريق هو عندما كانت مدينتي كالجحيم، أصوات الاسلحة الثقيلة مثل قاذفات الصواريخ بعيدة المدى التي تبادلها الجيش والدعم السريع، ليصبح الهدف الوحيد للاستقلال في نفسك  هو السفر في جميع أنحاء البلاد في حرب  لم تكن لحماية البلاد بل حرب لدمار الوطن حرب  لإفساد البلاد .

اتجهت بسرعة وعقارب الساعة تشير إلى العاشرة مساءً بالتحديد في مدينة زالنجي ، ما زلت أتذكر تلك الليلة وأنا أحمل حقيبتي التي لم يكن بداخلها شيء سوى قميص باريس سان جيرمان (النادي الذي لعبت فيه حتى جاءت الحرب) وبنطال ورقم وطني (بطاقة هوية) ممزق وكتاب عنوانها(بيت العنكبوت) الذي كنت إعتقد هو المنقذ الوحيد بعد الحرب واحتفظت به حتى يحين وقت معاقبة مرتكبي الجرائم.

 توجهت إلى معسكر الحميدية للنازحين الذي كان أكثر أحياء أمناً من بقية المناطق، وقضيت الليلة الأخيرة هناك. كانت بالتأكيد ليلة الوداع الأخيرة  معسكر (حصاحيصا) التي انقرضت فيها  أكثر من عشرين عاماً. عشت وترعرعت هناك في بيت من العشب والحسكانيت والطين حتى في الاخير بنعت بطوب احمر ولكن لم اطول فيها كثير .

بعدها اتجهت  إلى معسكر الحميدية ، كان بين معسكرين(حصاحيصا وحميدية ). كانت ما يسمونها بمدينة لها أحياؤها الخاصة، منها حي الإذاعة وحي المحافظين وحي الثورة ووادي اريبا الذي كان بؤرة المليشيات ، ثم يأتي بعدها كان معسكر الحميدية.

كل الأحياء كانت تحت سيطرة الحرب الشرسة ، إذا قررت تجاوز بقية الأحياء فقد تخاطر بحياتك ، لكنني حاولت بكل الطرق ونجح الأمر ، وصلت الى معسكر الحميدية. وفي اليوم الثاني، الحادي عشر من أكتوبر، كان ذلك اليوم الذي ودعت فيه مدينة زالنجي وتوجهت إلى محلية سرف عمرة بشمال دارفور .

قبل مغادرة إلي محلية سرف عمرة توجهت إلى قرية (يقادولو) حي المحطة التي تبعد كيلومترات عن قريتي التي ولدت فيها (تنقرسا) وصلتها لوداع أمي وأبي وأخواتي والعائلة التي تسكن فيها ، أثناء فترات الخريف من أجل الزراعة المطرية (ذرة، فول السوداني ،بامية وكركدي وسمسم ….الخ). ودعت أمي وأرشدتني بكلمات لن أنساها (إذهب يا ولدي ولكن لا تنسى صلاتك والغربة غربة ، ويجمعنا الله بسلام  والحي بلاقي ) وأضاف لي والدي أيضاً الكثير من النصائح لان له خبرة عن الغربة  قال لي (أذهب في كل دول العالم ولكن لا تذهب إلى مصر فسوف تضيع  عمرك) وودعت أمي ودموعي جارية .

بعد ذلك اتجهت إلى محلية سرف عمرة ومناطق أخرى زرتها لأول مرة في حياتي (السريف بني حسين والطينة السودانية ومليط ومجلد ووادي هور ومناطق أخرى) عشت أصعب الأيام في الصحراء الكبرى ودخلنا الصحراء الليبية وقبل أن نغادر أراضي السودان وقفت إجلالاً للوطن وفي عيني دموع وخاطبت الوطن ببعض الكلمات (أتمنى أن أزورك مرة أخرى لم أكن جباناً أمام قدراتك ولكن الحرب الطاحنة أجبرتني) الوطن فيه معاناة .

 وبعد مرور خمسة تعشر يوماً وصلت إلى مدينة الكفرة وأنا فرحان  ولكن الحزن لم تفارقني وبعد دقائق أخبروني أن معسكر حصاحيصا (جهري) قد تحول إلى مزبلة الجحيم في الجحيم والجنجويد شفشفو (سرقوا ونهبوا) جميع ممتلكات النازحين ولم يتركوا للانسان حتي ملابسه الداخلية ، فصدمت ووقفت طويلاً حتى استوعب ما كان يتحدثون عنه .

 ولم انتظر طويلا اخرجت سمعاتي الصوتية وشغل اغنية فنان راب السين السوداني ( أشرف الطامة ) قدام يا أخي بكرة بتصل

وبتكن في القمة *****

طاريها الذمة وديل حاقدين

 ياه ما تهتمة*****

هم همهم يحيبطو حلم

البطل السار جواك

انهض  وريهم إنك

بجد جسان فتاك

دائما في بالك شوف

 الدنيا زي استاذ

اتعلم منها وأخذ

 الفكرة وابني اساس .

اعتبرت نفسي جنقاقي (مهاجر ) لاني بسمع الاغاني في المواقف الصعبة حتى ابرد اعصابي ،الوطن هو المكان الذي نحبه، فهو المكان الذي قد تغادره أقدامنا لكن قلوبنا تظل فيه . والآن في بحث….. !

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *