منصة قلب إفريقيا الإخبارية

سلطان البان يكتب …التحول الديمقراطي فى مالي إلى اين

لندن :قلب افريقيا

مالي| عندما تتخذ مجموعة من الضباط قرار الإطاحة بالرئيس, دائماً تكون لديهم، خطة لما بعد الإطاحة وهو مسار سياسي ألفته الشعوب الافريقية التي تتعايش مع حوادث الانقلابات العسكرية والأزمات السياسية المتعددة .

المجلس العسكري فور استلائه على السلطة يتخذ تسمية “الانتقالي” بما يشير أنه يستشعر عدم شرعية الخطوة بنص الدستور، ويتخذ مدة قصيرة على أمل ترتيب الأوراق وإعادة السلطة للشعب عن طريق تنظيم انتخابات رئاسية يُشرف عليها العساكر الذين أطاحوا بالرئيس تحت ذريعة “انقاذ الوطن” ومن هذا المنطلق تبتلع الشعوب والطبقات السياسية المختلفة فكرة الانقلاب على مضض لكونها آنية ..

هذه القاعدة حطّمها العقيد المالي عاصيمي غويتا الذي يتربع على كرسي الحُكم منذ عام 2020 حتى شابت رؤوس الطبقة السياسية وهي في انتظار موت الفترة الانتقالية، التي كان من المفترض أن تؤدي بهم إلى الانتخابات الرئاسية، ليبقى السؤال كيف نجح العقيد غويتا في البقاء في السلطة؟ .

العقيد المنتشي بطعم السلطة والنفوذ ظل يضرب الموعد تلو الآخر وفي كل مرّة يضع عنوانا جديدا، في البداية كان على الماليين أن يصبروا على مخاض “مؤتمر إعادة التأسيس الوطني” وفي المرة الثانية كان عليهم أن يصبروا حتى تتم خياطة دستورا جديدا، وفي المرة الثالثة عليهم أن يصبروا حتى يبسط المجلس العسكري الأمن في الشمال و تحرير الجغرافيا المالية من الإرهاب، وهكذا دواليك حتى سرق العقيد ورفاقه من أعمار هؤلاء المنظرين أربع سنوات تحت حكم النظام العسكري .

ورغم كل ذلك لازالت حلقات المسلسل مستمرة لأن العنوان الأخير صالح للتمدد عبر الزمن، وإلى يوم الناس هذا لا يدري الماليون متى يتم تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في بلادهم .

أقصى ما تم اتخاذه من قرارات المجلس بشأن فهم نظام الحكم في جمهورية مالي بقيادة العقيد عاصمي غويتا هو ما حدث مطلع شهر مايو/أيار حول مخرجات حوار وطني نظمته السلطات رغم أنه قوبل بالرفض من طرف المعارضة السياسية المحرومة من ممارسة انشطتها التي يكفلها الدستور فقد خرجت بموجب المؤتمر توصيات تأمر الحكومة العسكرية الحالية بالبقاء في السلطة لمدة تتراوح بين عامين وخمسة أعوام إضافية .

هذا الأمر يعني أن العقيد عاصمي غويتا قد يستمر في السلطة فترة أطول من الخمس سنوات المقررة لرئيس منتخب اختاره شعبه، وفي مواجهة هذه الفرضية الراجحة، قررت الطبقة السياسية رفع صوتها المبحوح من خلال بيان صحفي مشترك، حيث استنكر نحو عشرين حزبا ومنظمة هذا “الجوق”. مؤكدين بأن توصيات الحوار المالي الداخلي كانت معدة سلفا، وأنهم يدركون جيدا أن فكرة الحوار الوطني الداخلي كان مجرد ذريعة لإضفاء الشرعية على تمديد الفترة الانتقالية” هكذا اشتكت المعارضة وتذمّرت من أحاجي سياسية يترأسها العقيد عاصيمي غويتا حسب تعبير هؤلاء السياسيين .

يبدو أن الأحزاب السياسية باتت تشعر بالخطر مما دفعها إلى توحيد خطابها وتكثيف جهودها للمطالبة بإنهاء الفترة الانتقالية البرزخية وتنظيم انتخابات رئاسية خصوصا بعد صدمتها من نتائج الحوار الوطني الداخلي الذي أجراه غويتا .

ليست هذه هي المرة الأولى التي تحاول فيها الأحزاب السياسية توحيده صوتها صد المجلس العسكري الانتقالي الجاثم على صدورهم فقد طالب سابقا أكثر من 80 حزبا سياسيا ومنظمة مجتمع مدني بالإجماع بتنظيم الانتخابات دون تأخير، معتقدين أن الفترة الانتقالية انتهت قانونيا في 26 مارس/آذار. وكان رد غويتا قاسيا ومفاجئا، عندما أعلن، في 10 أبريل/نيسان، بقرار رسمي تعليق أنشطة الأحزاب السياسية ومنعها من استخدام وسائل الإعلام المحلية بحجة أنها ستعيق مشروع بسط الأمن .

بعد شهرين من هذا القرار أتسعت دائرة الامتعاض الشعبي وبات التذمر يسود الأوساط السياسية حتى أصبح الكل يريد كسر حاجز الصمت وانهاء المرحلة الانتقالية بأي ثمن .

الاحزاب و الجماعات السياسية وطبقة عريضة من الشعب المالي باتوا على استعداد تام لمواجهة المجلس العسكري الانتقالي الحاكم الذي تأخر كثيرا في تحديد موعد للانتخابات الرئاسية, مما صعّب من مهامه الداخلية، حيث أصبح يواجه التحديات الأمنية التي لها أوّل وليس لها آخر من جهة, والأزمات السياسية الداخلية التي قد تنفجر في أية لحظة من جهة أخرى .

لا أستبعد أن نشاهد الحشود الشعبية في شوارع باماكو ترفع شعار الرحيل في وجه المجلس العسكري الانتقالي أو تجبره على تنظيم الانتخابات ونعود إلى مشاهدة أحداث محفورة في الذاكرة المالية عنوانها الرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا، هذا السيناريو وارد جدا إن لم يتغيّر المشهد السياسي الداخلي ويعقل قادة المجلس العسكري الحاكم .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *