منصة قلب إفريقيا الإخبارية

دسترة الإجهاض في فرنسا

صوت البرلمان الفرنسي، في الرابع من مارس الماضي على إدراج حق الإجهاض في الدستور بأغلبية 780 صوتا مقابل 72 ضده، لتصبح أول دولة في العالم تدرج هذا الحق في دستورها. ويأتي هذا القرار تبنياً لمشروع قانون لتضمين الحق في الإجهاض في الدستور، أقره البرلمان أواخر عام 2022. وهو أيضاً تحقيق لأشواق كثير من الفرنسيين الذين كشف استطلاع، أجرته المؤسسة الفرنسية للرأي العام عام 2022، أن 86% منهم يؤيدون إدراج حق الإجهاض في الدستور.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، غرد على منصة (X) احتفاء بالقرار الذي اعتبره “حرية جديدة يكفلها الدستور”، ووصفه بأنه “فخر فرنسي” و”رسالة عالمية”. ودعا الفرنسيين الى احتفال رسمي بإقرار التعديل تقيمه حكومته في الثامن من مارس الذي يوافق اليوم العالمي لحقوق المرأة.

أما رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل أتال، فقد صرح في مستهل مناقشات القانون في البرلمان بأنهم “يتحملون دَيناً أخلاقياً تجاه كل النساء اللواتي عانَين في أجسادهن من عمليات الإجهاض غير القانونية”. وأضاف: “إننا نبعث برسالة إلى جميع النساء، مفادها أن جسدك ملك لك، ولا يمكن لأحد أن يقرر نيابة عنك”.

بإدراج هذا النص في الدستور تكون هذه هي المرة الخامسة والعشرين التي تعدل فيها الحكومة الفرنسية دستورها منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في عام 1958.

وبالعودة إلى الوراء، نشير إلى أنه قد تم تشريع الإجهاض خلال الثورة الفرنسية، قبل أن يعاد تجريمه بفرض قانون نابليون لعام 1810، الذي يعاقب كل من يقوم بإجراء عملية إجهاض بالسجن. وفي عام 1939، تم السماح بالإجهاض الذي من شأنه إنقاذ حياة المرأة الحامل. وأثناء الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، أصبح الإجهاض جريمة يعاقب عليها بالإعدام.

في عام 1975 صدر قانون يبيح الإجهاض، الذي أصبح اسمه الرسمي (دلعاً) “الإنهاء الطوعي للحمل”، حتى الأسبوع العاشر من الحمل، ثم جرى تعديله لاحقاً ليمتد إلى الأسبوع الثاني عشر، ثم إلى الأسبوع الرابع عشر من الحمل. وتتم تغطية تكاليف عمليات الإجهاض ضمن منظومة الرعاية الصحية الوطنية (التأمين الصحي) منذ ثمانينيات القرن الماضي.

رغم تأييد غالبية الفرنسيين لحق الإجهاض، إلا أن مئات المتظاهرين قد تجمعوا على بعد عشرات الأمتار من قصر فرساي للتعبير عن رفضهم لدستورية الإجهاض، لأنه “يعاقب أطفالا لم يولدوا ويحرمهم من الحياة”، متهمين حكومتهم بالـ “تهرب من مسؤولياتها تجاه النساء الحوامل”. ووصف نيكولا تاردي جوبيرت، رئيس منظمة (من أجل الحياة)” التي دعت للمظاهرة، التصويت على النص بأغلبية كبيرة بأنه “هزيمة للفكر، واندفاع صارخ نحو القتل المتهور، وفقا للأجندة التي وضعها أقصى اليسار، وأقرتها الحكومة، ودعمتها جماعات الضغط القوية”.

وأكدت (الأكاديمية البابوية للحياة)، وهي هيئة الفاتيكان التي تركز على القضايا المتعلقة بأخلاقيات علم الأحياء، أنه: “في عصر حقوق الإنسان العالمية، لا يمكن أن يكون هناك حق في انهاء حياة الإنسان”. كما كرر مؤتمر للأساقفة الفرنسيين معارضة الكنيسة للإجهاض قبل التصويت. وقالت رئيسة جمعية (الأسرة الكاثوليكية)، ألين فيجورنيه، إنهم “لا يوافقون على اعتماد الحق بالقتل داخل مجتمعاتهم”.

عالمياً، يصادف الثامن والعشرين ممن شهر سبتمبر من كل عام، “اليوم العالمي للإجهاض الآمن”. وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الإجهاض حق طبي وصحي. ووفقاً لإحصائيات المنظمة، فإن العالم يشهد سنوياً إجراء حوالي 73 مليون حالة إجهاض. ويُنهي الإجهاض ست حالات من كل عشر حالات حمل غير مقصود. ولعل هذا ما شجع الحكومة الفرنسية على التصريح بأنها تعتزم “نقل معركة الإجهاض إلى المستوى الأوروبي”. وقد يشجعها أكثر أن 71% من البالغين في 24 دولة من بلدان الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة يؤيدون الإجهاض القانوني، وفقاً لاستطلاع للرأي أُجرى العام الماضي. وقد تجد سنداً من بعض دول الاتحاد التي تسمح بعمليات الإجهاض، مثل هولندا والسويد ولوكسمبورغ وإيرلندا والدنمارك.

للإجهاض أثر نفسي، لا يلتفت إليه المشرعون الذين ينظرون فقط إلى مكاسبهم السياسية من كل تشريع، دون النظر إلى من يقع عليه عبء القانون الذي بسببه كم (بُرِدَتْ ألسنة بالكلام) دفاعاً عنه وتبريراُ له. ذكر لي أحد الأصدقاء، وهو طبيب نفسي مرموق، أن المرأة تشعر غالباً، بعد ذهاب سكرة الإجهاض، بالذنب لعجزها عن “إكمال الأمومة بطريقة كاملة”. وبشعورها بالعجز عن الانتقام من الرجل الذي زرع هذا الحمل في بطنها دون ان يتحمل تبعاته التي قادتها إلى اتخاذ قرار الإجهاض. وقد يكون قرار إنهاء حياة الطفل انتقاما من أبيه، لاسيما إذا كان الحمل سبباً في طلاقه منها أو هجره إياها. وقد تحاول بعضهن تبني أطفال، لاحقاً، لتعويض ما فقدن. وقد يقود قرار الإجهاض وتنفيذه إلى تحول أيديولوجي راديكالي في حياتهن. فتصبح المتطرفة في قضايا الجندر أكثر تطرفاً أو قد تكفر بهذا الفكر وتتبنى نقيضه. والأخطر شعورها بـ(وهم) أنها هي السبب في حياة الطفل، إن احتفظت به، أو موته، إن أجهضته.

ونقيض الإجهاض، يوجد في فرنسا ما يسمى بالـ “الحمل بمساعدة طبية” وهو إتاحة فرصة الحمل للنساء اللائي لا يستطعن الحمل بطريقة طبيعية، لأسباب مرضية او لعيوب خلقية تمنعه.  أو للواتي يردن الحمل دون معاشرة رجل. في هذه الحالة يمكنهن أن يلجأن إلى (بنوك الأجنة) و (بنوك الحيوانات المنوية) التي تبرعت وتبرع بها أخريات وآخرون، لإتمام عملية الحمل بمساعدة طبيب مختص. وينص القانون على إخفاء هوية المتبرع او المتبرعة وهوية المتلقية، ما لم تكن هناك حاجة طبية ماسة، كظهور مرض مثلاً، يستدعى كشف هوية المتبرع لأخد عينة منه بغرض التعامل مع المرض. ومما يذكر في هذا الباب، مما له علاقة بالأثر النفسي الذي لا يلتفت إليه المشرعون، أن أحدهم قد فقد عقله بعد كشف هويته وعلمه أنه قد تم تلقيح 13 امرأة من حيواناته المنوية التي تبرع بها، بعد ظهور نفس المرض في سبعة من الأطفال. فصار يهيم على وجهه وهو يتساءل عمن يكون أطفاله، وأين هم الآن، وهل سيعرفهم إذا التقى بهم، وغير ذلك من الأسئلة التي تظل معلقة دون إجابة… وتمتلئ أضابير مراكز التأهيل النفسي بآلاف القصص المشابهة.

يبقى السؤال المهم: هل يحق للمرأة أن تصادر حق الطفل في الحياة وحق والده في الأبوة، فتقرر، وحدها، إنهاء الحمل؟ والسؤال الأهم: هل حق الإجهاض من الأهمية بمكان بحيث يعدل له الدستور؟ الا يكفي أن يكون مسموحا به ومحمياً بنص قانوني فقط؟ وهل تندرج كل هذه الزوبعة في إطار الاحتفاء المبالغ فيه بمجتمعات المثليين وأنصار الجندرة وكل مُعَرِّج عن طريق الفطرة السوي، الذي نراه في الغرب الآن؟

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *