منصة قلب إفريقيا الإخبارية

بَشِّرُوا

شِّرُوا

يحيى إبراهيم النيل

قالوا إن مكيف الهواء الوحيد في أحد المساجد قد احترق أثناء خطبة الجمعة، وكان ذلك في (عز الصيف). اغتنم امام المسجد هذه السانحة فغير موضوع خطبته وطفق يتحدث عن أهوال يوم القيامة وعذاب النار وحرّ جهنم وهلم جرا.. تضايق أحد الشباب وقال له: ” عليك الله يا شيخنا صلّح المكيف، وبشرنا بنعيم الآخرة وبما ينتظرنا في الجنة”.

فقد زهّدني سلوك كثير من أئمة المساجد في الصلاة خلفهم، رغم جمال خطب بعضهم. في أحد مساجد أمدرمان، رد الله غربتها، قام أحد الرجال بآداء تحية المسجد بعد جلوس الامام عقب الخطبة الأولى، فانبرى له الأمام موبخاً ومعنفاً وهو يصرخ ويسب (الجهلاء) الذين قال لهم سيادته في خطب سابقة إنه لا تجوز الصلاة بين الخطبتين ولم يعملوا بفتواه. مع العلم أن الرجل المسكين ربما لم يصلِّ خلف هذا الامام الهمام من قبل ولم ينعم بسماع فتواه، صحيحة كانت أو غير صحيحة.

وفي المدينة الفرنسية التي أعيش فيها، رغم الحاجة الماسة لتشجيع الشباب على ارتياد المساجد والتغاضي عن هفواتهم، إن وجدت، تعرض أحد المصلين الذين رنّ هاتفهم اثناء الخطبة للتعنيف الشديد (أثناء الخطبة ذاتها)، كما هاجم إمام آخر شاباً دخل المسجد، والامام يخطب، وهو يرتدي (شورت). ترك الامام موضوع خطبته الذي بدأه وبدأ يعنف الشاب الذي ربما فرغ من أمر قاهر كان سيمنعه آداء صلاة الجمعة، لكنه فرغ منه ولحق الصلاة دون ان يتمكن من الذهاب إلى بيته لارتداء الجلباب أو البنطال، دون أن ندخل في تفاصيل الجدل حول حدود العورة الواجب سترها في الصلاة. أين هذا الامام من قول عمر بن الخطاب: “ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ مِنْهُ مَا يَغْلِبُكَ”؟ ومن قول ابن القيم:” والله إن العبد ليصعب عليه معرفة نيته في عمله، فكيف يتسلط على نيَّات الخلق”؟. بل ذهب أحد السلف الصالح إلى أبعد من ذلك حين قال: “لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا، لقلت ربما سُكبت عليه! ولو وجدته واقفًا على جبل وقال: (أنا ربكم الأعلى)، لقلت لعله يقرأ الآية. وكنت قد ذكرت في كلمة سابقة كيف تعرضت ابنتي لنفس التعنيف لأنها جاءت إلى المسجد بفستان (ساتر جداً مع طرحة تغطي الرأس)، ولم تأتِ بعباءة، كما ينبغي، حسب اعتقاد إحدى النساء الموكلات بأمر مصلى النساء.

ويكفينا في حسن الظن ببعضنا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) [الحجرات-12]، وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ).

ونأياً بأنفسنا عن إساءة الظن بهؤلاء اللأئمة الكرام، نقول إن غيرتهم على دينهم أغضبتهم لما رأوا ما رأوا، فثاروا في وجوه إخوانهم. ولا نقول فيهم كما قال أبو الطيب:

إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه

وصـدَّق مـا يـعـتـادُه مِـن تـوهُّـمِ

وعـادى مـحـبّـِيـه بـقـولِ عُـداتِـه

وأصـبح في ليلٍ من الشـكِّ مظلمِ

ونرجوهم أن يحسنوا الظن بالمصلين خلفهم. مرددين قول الشاعر:

أحـسـن بنا الـظـن فإنا فـيك نحـسـنه

إن القـلـوب بـحـسـن الظـن تـنسـجم

وألمس لنا العذر فى قول وفى عمل

نلمس لك العـذر إن زلـت بك القـدم

لا تجـعـل الشـك يبنى فيك مسـكـنـه

إن الحـيـاة بسـوء الظـن تـنهـدمش

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *