منصة قلب إفريقيا الإخبارية

محمد ضياء الدين يكتب : مزن الفراشة التي احترقت

بورتسودان :قلب افريقيا

في زحام الحياة وقسوة الحرب، كانت (مزن) شعاع نور ينبثق من قلب الظلام. مزن، الطفلة ذات الاثني عشر ربيعا ، كانت تعمل بلا كلل إلى جانب والدتها، التي كانت تبيع الشاي في شارع الوادي بأمدرمان بالقرب من محطة المهداوى.

كانت مزن تتنقل بين الزبائن بخفة الفراشة، محبة ودودة، تنادى الجميع بـ(عمو)  وتنثر الابتسامات بين الزبائن إبتسامات لا تخفى حزن دفين يعشعش فى دواخلها، رغم التعب الذي كان يتسلل إليها مع مرور ساعات النهار.

 كانت تصحو مع بزوغ الفجر، وتواصل العمل حتى منتصف الليل، مدفوعةً بحبها لأمها وإحساسها بالمسؤولية تجاه وأسرتها ، متحدية قسوة الحياة وظروف الحرب .

ذات يوم، غابت مزن عن مكانها المعتاد. عندما سألت عنها، علمت أنها مريضة، لكنها لم تذهب للطبيب بسبب الظروف الصعبة التي كانت تعيشها هي وأسرتها. حاولت أن أواسيها في مرضها البسيط كما بدا لها، لكنني شعرت بغصة في قلبي عندما قالت لي بابتسامتها المعتادة أنها ارتاحت قليلاً وأنها بخير.

قررت السفر بعد فترة، وحرصت على وداعها. كانت كلمات الوداع بسيطة، لكنها حملت بين طياتها خوفا من الغياب الأبدي. وفي كل مرة سمعت فيها عن قصف مدفعي في منطقة كرري، كنت أتساءل عن حال مزن، عن تلك الفراشة الصغيرة التي كانت تحوم حول نار الموقد.

لكن الأمس حمل معه الخبر الفاجعة. مزن لم تنج من الأمطار الغزيرة التي أغرقت أمدرمان ، وتعرضت المسكينة لصعقة كهربائية أودت بحياتها. حزنت على مزن أكثر مما توقعت، مزن التي صمدت أمام الحرب ، وكانت تعمل أثناء القصف، وكأن الأمر لا يعنيها، مزن لم تستطع أن تقاوم غضب الطبيعة.

مزن، كانت الفراشة التي احترقت بجوار اللهب، رحلت، وحتما أخذت معها جزءاً من الروح التي كانت تبثها في المكان.

اللهم ارحم مزن، تلك الطفلة البريئة، واغمرها برحمتك، وامنح القوة لوالدتها وأخواتها في هذه المحنة القاسية.

كم من الأطفال مثل مزن راح ضحية الحرب وغضب الطبيعة.

رحماك يا الله.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *