منصة قلب إفريقيا الإخبارية

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (الإسراء:23-24).

لم أقابل، ولم أسمع، ولله الحمد، من قال لوالديه، أو لأحدهما “أفٍ” أو نهرهما. لكن الكثيرين قد تشغلهم شواغل الحياة، وربما الخضوع لرغبات (النعل) عن حسن برهما. و (النعل) الزوجة، عكس (البعل). جاء في (لسان العرب): ” قال ابن بري: يقال لزوجة الرجل هي نَعْلُه ونَعْلَتُه”. وقال الحريري ملغزاً في مقاماته: ” قال: ما تَقولُ في مَنْ توضّأ ثمّ لمسَ ظَهرَ نعلِهِ؟ قال: انتَقَضَ وُضوءُهُ بفِعلِهِ.

نعود لبر الوالدين بعد هذا الاستطراد. فأقول إن ما دفعني لكاتبة هذه الكلمة أنني قابلت عجوزاً فرنسية تجاوزت الثمانين، ولم “تحوج سمعها لترجمان”، كما أحوجت أبا المنهال عوف بن محلم الخزاعي، في محل تجاري يملكه صديق سوداني في المدينة الفرنسية التي أعيش فيها. تبادلنا الحديث في أمور شتى، حتى جاء ذكر الحرب وويلاتها. فقلت لها، إن الناس يرون في الحرب الجانب الظاهر منها، كفقد عزيز أو متاع. غير أني أفكر في “تبعثر أسرتي” داخل وخارج السودان، مع يقيني أنني لن أقابل بعضهم ما حييت، عكس ما كان يحدث وقت السلم، حيث كانت تجمعنا مناسبات الأفراح والأتراح، وأحيانا قد تبر أحدهم أو يبرك بـ”زيارة في الله”. فقالت لي بحسرة: ” أنتم معذورون لأن ما حل بكم لم يكن باختياركم. أما أنا فلي عدد من الأبناء والأحفاد يعيشون في نفس هذه المدينة ولم أرهم منذ سنوات، ومتأكدة أنني لن أراهم ما حييت”. نقلتُ ما قالت لسيدة فرنسية أخرى فقالت لي إن ابنتها تعيش في مدينة أخرى ولم ترها كذلك منذ سنوات. وأضافت أنها قد هيأت نفسها، منذ الآن، للعيش في دار المسنين، إن مد الله في أجلها.

في بر الوالدين بر للنفس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ). ونهى صلى الله عليه وسلم عن كل ما قد يقود إلى الحاق الضرر بهما فقال: “مِنَ الكَبائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ والِدَيْهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وهلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ والِدَيْهِ؟ قالَ: نَعَمْ يَسُبُّ أبا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباهُ، ويَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ”.

وتناول كثير من الشعراء بر الوالدين ودعوا له.

العـيشُ ماضٍ، فأكـرِمْ والـدَيكَ بهِ

والأُمُّ  أوْلـى بإكــرامٍ  وإحـســانِ

وحَسبُها الحملُ والإرضاعُ تُدْمِنُهُ

أمـرانِ بالفَـضْـلِ نالا كـلَّ إنسـانِ

والبر درجات، قليل من يبلع سنامه. ذكروا أن ابن الحسن التميمي قد هم بقتل عقرب، فلم يدركها حتى دخلت جحراً في المنزل، فأدخل يده خلفها وسد الحجر بأصابعه، فلدغته. فقيل له: لم فعلت ذلك؟ قال: خفت أن تخرج فتجئ إلى أمي فتلدغها. وقالوا إن ابن عون المزني قد نادته أمه يومًا فأجابها وقد علا صوتُه صوتَها ليسمعها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين.

والعقوق درجات، أعاذنا الله وإياكم. لكن أحد الشعراء قد اشتط في الأمر فقال:

أَغـرى امـرؤٌ يومـاً غـلاماً جـاهلاً

 بـنـقـودهِ حـتـى يـنـالَ بـه الـوطــرْ

قـال  ائـتـني بـفـؤادِ أُمِّـكَ  يـا فـتـى

 ولكَ الدراهمُ والجـواهــرُ والـدُّررْ

فمضى وأَغمدَ خنجراً في صدرِها

والقلبَ أخـرجَهُ وعـادَ على الأثـرْ

لـكـنهُ مـن  فـرطِ  دهـشـتهِ هـوى

فتدحـرجَ القلبْ المعفـرُ إِذا عـثـرْ

ناداهُ قلبُ الأمِّ وهو معفرٌ: “ولدي

حـبيبي هل أصابَكَ من ضـررْ”؟

صحيح، أحياناً قد يكون ” قلبي على جناي وقلب جناي علي حجر”. لكن (ما للدرجة دي).

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *