منصة قلب إفريقيا الإخبارية

عمك دقس

أول عهدنا بأوروبا في بدايات ثمانينات القرن الماضي، كنا نتندر بقصة صاحبنا الذي ذهب إلى أحد المتاجر لشراء بنطال. ولما اختار ما أراد شراءه، عرضت عليه البائعة قميصاً رائعاً تليق ألوانه وخطوطه بلون البنطال. إشتراه صاحبنا. ثم عرضت عليه حذاء وربطة عنق، فاشتراهما. خرج صاحبنا فرحاً وهو يتأبط ما سيجعله أكثر اناقة من (كريس إيفانز) حالياً أو حتى (بيلا حديد)، التي فازت بلقب” الأكثر أناقة على كوكب الأرض في عام 2022″، حسب مجلة (British GQ)، بيد أنه رجع إلى مسكنه وهو (أفلس من فأر المسيد).

وأنا ما كنت أظن أنني سـ(أدقس) كصاحبنا، بعد استقاء العبرة منه وكثرة زياراتي لفرنسا وتسوقي في محلاتنا وبعد أن مشى الشيب وئيداً في مفرقي وكسبت ما كسبت من تجارب. لكن:

لَيتَ الحَـوادِثَ باعَتني الَّذي أَخَـذَت

مِنّي بِحِلمي الَّذي أَعطَت وَتَجريبي

فَـما الحَـداثَـةُ مـِن حِـلـمٍ  بـِمـانِـعَـةٍ

قَد يوجَدُ الحِلمُ في الشُـبّانِ وَالشـيبِ

ذهبت قبل بضعة أيام لشراء جهاز كهربائي بسعر 55 يورو. قبل أن أدفع و استلم، عرض على البائع (رجل وليس غانية) أن اشترك عندهم في عدة خدمات مغرية جداً (أو هكذا بدت لي) يقدمونها لي مقابل مبلغ سبعة عشر يورو شهرياً لمدة عام. منها أن يتم خصم مبلغ 50 يورو من قيمة الجهاز الذي أزمع شراءه (عربون وقولة خير) وأن أمنح قسيمة تسوق بمبلغ اثنين يورو ونصف تخصم من أي عملية شراء قادمة. فصار سعر الجهاز فقط اثنين يورو ونصف. ومن الخدمات الأخرى، خصم 5% من سعر أي جهاز كهربائي أشتريه من المحل، وصيانة كل أجهزتي الكهربائية في المنزل، حتى لو تم شراؤها من محلات أخرى خلال الخمس عشرة سنة الماضية أو دفع ثمنها كاملاً إذا تعذرت صيانتها او لم توجد لها قطع غيار وكذلك عمل فحص دوري سنوي لكل الأجهزة الكهربائية في بيتي. وافقت (بعد تفكير!) وقُدِّم لي عقد من 15 صفحة.. ولأنه كان من الاستحالة قراءته في الحال، رضيت بما قدم من عروض (تسيل اللعاب) ووقّعت.

حملت جهازي الذي اشتريت فرحاً به وبسعره الذي يعادل سعر فنجان قهوة في بعض المقاهي وركبت البص. بعد أن تمهلتُ في جلستي واستوى البص على الأسفلت الأملس وسار وهو ينزلق كأنه قطعة صابون على أرضية سيراميك حديث التركيب، أخذت نفساً عميقاً وأخرجت الآلة الحاسبة لتدوين جملة المكاسب: سأدفع للمحل خلال عام الاشتراك مبلغ 204 يورو. تم خصم مبلغ 52 يورو ونصف في الحال، نفترض أنها 54 يورو. عليّ إذن استرداد مبلغ ال 200 يورو التي سأدفعها بموجب العقد حتى يكون الجهاز الذي اشتريه قد دفع لي مجاناً.. وللحصول عليها يجب أن أشتري من المحل أجهزة كهربائية بقيمة 3500 يورو قبل نهاية العقد في ديسمبر القادم، أو بقيمة 3000 يورو لأكون على الأقل قد دفعت كامل ثمن الجهاز الأول وخرجت من الموسم بدون حمص! المصيبة أن كل الأجهزة التي سأحتاجها لتأثيث شقتي لا تكلف هذا المبلغ، علاوة على أنني “زول دلالات” (جمع دلالة) و (بحب الميتات). هل استعمل المكر واشتري باسمي كل الأجهزة التي يحتاجها أهلي في العتامنة وما جاورها من القرى والحضر؟ مستحيل. لأن الأجهزة الكهربائية الكبيرة ذات السعر العالي سيتم توصيلها إلى عنواني المذكور في العقد وسيتم تركيبها فيه. علاوة أن أنهم أدخلوا في العقد الذي قرأته فيما بعد بنداً يقول: “يجب ألا تتجاوز جملة خصومات الـ 5% مبلغ الخمسين يورو في الشهر، بمعني أنني لن (أتفولح) واشتري جهازاً بأكثر من 1000 يورو في الشهر الواحد.

فكرت أن ألج باباً آخر، لعلي أجد مخرجاً. لكن لا أمل. فأنا حديث عهد في هذا البلد وليس لدي أصلاً منزل يخصني به أجهزة قديمة تحتاج صيانة. وعندما أرحل في شقتي وأشرع في تأثيثها، إما أن أشتري أجهزة جديدة معها ضمانة قانونية إجبارية لمدة عامين، وبالتالي ستتم صيانتها أو استبدالها بواسطة من اشتريتها منه ولا حاجة لي بالمحل صاحب العقد. وإما أن اشتري أجهزة مستعملة ويتحتم علىّ، في هذه الحالة، إبراز الفاتورة حتى يدفع المحل المتعاقد ثمنها كاملاً حال تعذرت صيانتها، وأين لي بدلّال يمنحني فاتورة الشراء الأولى؟ بل إنهم وضعوا في العقد فقرة تنص على أن أدفع مبلغ 45 يورو مرة واحد فقط (!) لأول صيانة للأجهزة التي اشتريتها من غير ذاك المحل. وغيرها من الشروط الصغيرة التي تاهت عمداً بين ثنايا سطور العقد ذي الخمس عشرة صفحة الذي فاقت كلماته عدداً كلمات عقود أكبر زواج جماعي شهدته بلادنا!

عدت إلى البيت محملاً بالجهاز وبالخيبة وأنا أدعو على المحل: “إن شاء الله ما تنفعك”..

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *