منصة قلب إفريقيا الإخبارية

متلازمة الكرسي والسلطة

يُقال إن ديكتاتور اسبانيا السابق، الجنرال فرانشيسكو فرانكو، كان على فراش الموت عندما سمع هتافات الجماهير التي كانت تنادي برحيله، فسأل عن الأمر، فقالوا له إن الشعب جاء ليودعه فقال لهم باستغراب ولكن إلى أين هم ذاهبون؟! لم يكن يدور في خلد الديكتاتور الذي استمر حكمه لمدة 40 عاماً أن له موعداً مع القدر تسبقه لعنات الجماهير التي بصقت عليه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.

ألبس الجنرال فرانكو دولته العسكرية رداء الدين، لكسب تأييد الشعب، فصارت المسيحية الكاثوليكية أُس التشريع، وتم ذلك بتشددٍ بالغ في بداية الأمر إلى أن سمحت الفاتيكان بهامشٍ من الحريات لإسباغ الأمر شيئاً من القبول لدى الآخر. 

تختلف الجينات الديكتاتورية والسلوك المصاحب لها من شخص إلى آخر، ولربما لعبت النشأة دوراً في تغذية هذا السلوك كما هو الحال بالنسبة للديكتاتور فرانكو الذي تربى في كنف أسرة فقيرة، لم يحسن أبواه تربيته بصورة صحيحة، فأطعماه النفاق والانتهازية وترعرع في هذا الجو الفاسد فكبر معه الشعور الرهيب بالدونية، فلجأ إلى الخدمة العسكرية بحثاً عن السلطة والمكانة لتعويض ذلك النقص، فكان الناتج ذلك الديكتاتور الذي تولي قيادة أحد أبشع أنظمة الحكم الاستبدادية في العالم.

أما جدلية التمسك بالسلطة والتشبث بالكرسي فهي متلازمة تصاب بها المجتمعات التي تفرخ سلالاتٍ متسلطة تبلغ بها الديكتاتورية مبلغاً يجعلها تنكر وجود نهاية لملكها وتزداد قناعتها بأن السماء قد بعثت بها إلى الأرض لتخليص البشرية من رجس “شيطان الشعوب”!

وصلت كثيرٌ من الدول المتقدمة، بعد تجارب عدة، إلى حقن أنظمتها السياسية والدستورية بأمصال ضد سَعَرِ السلطة والديمومة في الحكم، وإشراك عامة الشعب في تشكيل نظام الحكم عبر صناديق الاقتراع، لهذا لا تجد حكاماً معمرين في أوروبا وأمريكا، والغرب عموماً، فالسباق على الكرسي يحكمه عمر زمني لا يمكن تجاوزه، وهو ما يسمى بقوة القانون!

بالنظر إلى رقعتنا العربية والإسلامية، نجد أن هناك اختلافاً جوهرياً في طبيعة تلك المتلازمة، التي تضرب بقوة وشراسة أنظمة الحكم في دولنا، فتتولد لديها مناعة أقوى ضد التغيير وحساسية مفرطة ضد مشاركة الشعب في السلطة!

إنه لمن المضحك والمبكي في آنٍ واحد أن مجتمعاتنا العربية والإسلامية لديها قدرة فائقة على تحمل صلف الحكام وجبروتهم فيسهمون بذلك في إطالة فترات حكمهم، لهذا تتخلف الشعوب وتتخطاها التنمية وتتسع كل يوم مساحة بعدها عن مسارات التقدم والرقي. ومن المؤسف أيضاً أن بعض الشعوب قد حُرمت حقها الطبيعي في الحلم بالوصول إلى كرسي السلطة، فهو مساحة محرمة على العامة، فالشعب لا يحكم ولكنه يُحكم، أو هكذا نزل الوحي على الصفوة الحاكمة!  

لماذا تُنكر أنظمتنا سنة التغيير وترفض قبول الآخر وتتناسى أن دوام الحال من المحال إلا أن تكون مصابة بتلك المتلازمة؟ نحن نعلم أن الدنيا إلى زوال وأن تعاقب الأجيال من سنن الحياة وأن البقاء لا يتحقق إلا في دار الخلود فلماذا الهرولة نحو دنيا زائلة ومُلكٍ سيبلى ولو بعد حين؟

تزداد وتيرة الغضب لدى الحكام عندما تطالبهم الشعوب بالتنحي وهي مرحلة تصيبهم بالسعر والهياج فتتلبسهم نوبات البطش الشديد والتنكيل البشع بشعوبهم!

سوف يطغى أنين الجماهير على صخب الأنظمة مهما طال أمد بقائها، فلم يسجل التاريخ ديمومة لحكم ديكتاتوري ولكنه ظل يرصد امتدادات زمنية لحقب ديكتاتورية مختلفة تغطي مساحات شاسعة من رقعة عالمنا العربي والإسلامي ولكنها حتماً إلى نهاية!

لقد أنكر ديكتاتور اسبانيا ثورة الشعب، وكذلك حال كثيرٍ ممن يجلسون على كراسي الحكم في وطننا العربي الكبير، غير أن الشعوب الثائرة وبما تحمله من سلاح الكلمة والفكرة قادرة على تجميع قطع الفسيفساء المبعثرة من ثورة وإرادة وعزيمة لتصنع منها لوحة زاهية تجبر الطغاة على التنحي وقبول التغيير، وإلا فإن إزميل الشعوب سيستمر في نقر عروشهم كل يوم حتى السقوط!

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *