منصة قلب إفريقيا الإخبارية

الوشم

في عهد البشير، عينت كندا مبعوثة خاصة لها للسودان، دون استشارة الحكومة السودانية. جاءت هذه المبعوثة إلى الخرطوم وهي ترتدي فستاناً قصيراً جداً. رفض السودان استقبالها، لعدم اعتماده المسبق لها. وقتها كتب اسحق أحمد فضل الله: “جاءت المبعوثة الكندية إلى الخرطوم وقد نسيت شيئين: “أوراق اعتمادها وتسعة أعشار فستانها”.

رأيت مؤخراً الكثيرات ممن نسين أكثر مما نسيت صاحبة إسحق هذه، عندما جئت إلى فرنسا للاستقرار بها، وكان مجيئي في الصيف، حيث تحررت الكثيرات مما يمكن (ولا يمكن) أن يُتَخَفف منه، وكذلك الرجال. هذا السفور أظهر الكثير من أنواع الوشم لدى الجنسين، وبعضه يغطي أجزاء واسعة من الجسم. وقد ظهر لي بصورة لافتة، وقبيحة أحياناً، رغم أني زرت فرنسا مرات عدة في الصيف.  وعلمت سر ذلك عندما قرأت تقريرا قديما نسبياً نشرته صحيفة (La Croix) جاء فيه أن 18% من الفرنسيين البالغين قد وشموا في عام 2018، مقارنة بـ 14% في 2016، و10% في 2010. الغريبة أن المقالات التي نشرت هذا العام ذكرت نفس الأرقام، مع قناعتي التامة ان النسبة ستكون أعلى من ذلك بكثير لو تم إجراء تحقيق حديث، لأن الأمر يسير بمتوالية متصاعدة. 

 والوشم حسب موسوعة (ويكيبيديا) هو “شكل من أشكال التعديل الجسدي ويتم بوضع علامة ثابتة في الجسم وذلك بغرز الجلد بالإبرة ثم وضع الصبغ عن طريق هذه الفتحات والجروح ليبقى داخل الجلد ولا يزول. وفي السودان يسمى الوسم على الخدين (الرشمة) و (الرشوم)، التي تصغر، استملاحاً، بالـ(الرشيم).  وفي الشعر السوداني، خاصة شعر البوادي والحقيبة، ما يغني عن الاستطراد في ذلك. ولعل أقدم إشارة للوشم هي قول طرفة بن العبد في معلقته:  

لخـولة أطـلال بـ(بـرقـة ثـهـمـد)

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

والوشم محرم في الإسلام، على أرجح الأقوال لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله”.

وللدكتور معتز الخطيب، أستاذ فلسفة الأخلاق في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، مقالة ضافية حول الوشم في موقع الجزيرة على الانترنت يقول فيها “إن مجمع الفقه الإسلامي الدولي قد حرم عمليات التجميل التحسينية جملةً؛ لأنه يُقصد بها تغيير خلقة الإنسان السوية، وذلك على خلاف فتوى اللجنة الدائمة في السعودية والشيخ عبد العزيز بن باز الذين أطلقوا القول بالجواز إذا كان هناك مصلحةٌ ولم يَتَرتب على العملية ضررٌ”. وأورد أنه رُوي أن يد أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كانت موشومة، وقد صحح هذا الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني، واستدل به المالكية كذلك على إباحة الوشم في اليد دون الوجه”.

وقرأت للشيخ عبد العزيز بن باز فتوى عدّ فيها (الشلوخ) ضرباً من الوشم المنهي عنه. وأردف أنه “لا يجوز للمؤمن ولا للمؤمنة تعاطي ذلك، أما ما مضى مع الجهل، فالتوبة تكفي والحمد لله”. بختك يا حبوبة، الله يرحمك.

وفي مقال على موقع (Slate) الفرنسي، ذكر كاتباه (فانسينت ماير وسارا ألفيس) أن الوشم لم يعد يشكل عقبة أمام التوظيف في فرنسا، “إذ أصبح مقبولًا اجتماعيًا اليوم. ويُنظر إليه مثل أي نمط من الملابس لدى المسؤولين عن التوظيف في المجال الصناعي طالما أنه غير مرئي”. وأوضحا أنه يمكن أن نفهم اعتبار بعض أنواع الوشم المخيفة مثل الجمجمة أو الثعبان وغيرها غير مقبولة في بعض المؤسسات، كالبنوك مثلاً.

شخصياً يثير الوشم الذي يغطى أجزاء واسعة من الجسم او ذلك الذي يحمل رسماً (قبيحا) اشمئزازي ويدفعني لأن أُكَوِّن رأيا سلبياً تجاه صاحبه. واكتشفت أنني لست وحدي، فقد ذكر كاتبا المقال المشار إليه أعلاه أن دراسات أجريت في الولايات المتحدة، أظهرت أن الأشخاص الموشومين يعتبرون أكثر تمردًا (50٪ في المتوسط)، وأقل جاذبية (45٪)، وأقل إثارة (39٪)، وأقل ذكاءً (27٪)، وأقل صحة وذكاء (27٪) وأقل روحانية (25%).

خلاف الرسومات، يلجأ البعض إلى نقش عبارات و (جمل مفيدة!) على أجسادهم. وشوهدت على أجساد بعض المشاهير الغربيين نقوش لعبارات وأبيات لويليم شيكسبير، مثل الفنانة الأمريكية وعارضة الأزياء (ميغان فوكس) التي اختارت ما جاء على لسان الملك لير: “سنضحك جميعا على الفراشات المتجملة!”. والممثلة البريطانية (دانييل لينيكير) التي وشمت جملة أخرى لنفس الشاعر هي: “شكوكنا خوّانة لنا، إذ نفقد بسببها الخير الذي يمكننا أن نحظى به لمجرد أننا نخشى المحاولة!”. أما الممثلة الأمريكية (ليندساي لوهان) فقد اختارت جملة “ما قد يأتي من أحلام!” من مسرحية “هاملت”. ومن المشاهير العرب، نقشت الفنانة (هيفاء وهبي) على يدها بيت نزار قباني من قصيدة (إلى تلميذة):

فـإذا وقـفـت فـي حـسـنك صـامتاً

فالصمت في حرم الجمال جمال”

ولأن الشباب مهوسون بتقليد المشاهير وبالإتيان بكل ما هو (مشاتر)، أتوقع أن نرى عجباً في مقبل الأيام.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *