منصة قلب إفريقيا الإخبارية

 الكاتب المالي حمدي جوارا يكتب : مالي .. ذكرى استقلال وواقع تحرير

باماكو:قلب افريقيا

اليوم ذكرى استقلال مالي ال ٦٤ … وهي ذكرى يحتفل فيها الأفارقة بمناسبة استقلالهم من المستعمر .. بيد أن هذا الاستقلال كان جزئيا أو صوريا لأنه غادر ديارنا وترك وراءه رجالا يحملون فكره وثقافته ولغته وربما لا يستخرج له لهم عملتهم كما هو حال افريقيا الغربية الفرنكوفونية …

هل استقلالنا حقيقي حتى ممن يتغنون اليوم بالاستقلالية والتحرر …

لا أظن لأن رواسب الماضي ما زال عالقا في أذهان المثقفين وكوادر الدولة …

واللغة الاستعمارية هي لغاتنا الرسمية التي نكتب ونتوظف بها وتعتبر شارة التعليم وقيمة الإنسان لدينا ..

منذ ٦٤ عاما تطور كثير من الدول وخرجت أقطار من خط الفقر والنامية إلى باحة التقدم والتطور …بينما بقينا نحن في حروب ومعارك وعصبيات قبلية وخلافات عرقية ومشاكل دينية …

ترى .. لماذا أصبحت دولنا بؤرا للإرهاب والفساد والمحسوبية والتصدع العرقي …

طبعا .. لا شك أن الاستعمار دوره في ذلك لأننا لم نقطع صلتنا به جذريا وبقي حاضرا في إدارة شؤوننا وتغذية الطائفية في سبيل أن تستغل هذا الخلاف في مواصلة امتصاص خيراتنا ومعادن أراضينا ونحن في غفلة وربما في تعمد ننظر لهذا الواقع الكئيب دون تغيير يذكر ..

هذه الأيام تقوم دول الساحل بمحاولة الاستقلال الثاني .. لكن الذين يعيقونهم من ذلك هم الأفارقة أفرادا وقبائل ودولا … وكأنهم لا يريدون أن يخرجوا من أغلال الاستعمار ويريدون البقاء أسارى في أيدي غيرهم …

لا أريد أن أكون متشائما وأعرف أن غالبية شعوب المنطقة كشف الغطاء عن أعينها في رؤية هذه الحقيقة ولذلك بادروا بمساندة النظم الحالية في كل من مالي و بوركينافاسو والنيجر برغم كل العوائق والحصار والتجويع والتحرش بل ومساهمة دول جوار في فرض أجندات الغرب عليها وأجنداتهم هم كي يكسروا المارد الذي ولد في كل شعوب المنطقة .

وأما عن الايديولوجيا الإرهابية والاتفصالية التي تعصف بمالي فلا شك أنها قاسية وعنيفة ولكن قدرنا أننا لا بد أن نواجههما معا .. ومن الصعب إقناع القوم أنهم يتنسمون ما يريده المستعمر علينا جميعا ..

حين أراد الاستعمار تقسيم مالي الحالية وفصل شمال مالي عن الجنوب وتقديم منطقة استقلال لهم وتم البحث عن البقاء مع باماكو أو استقلال الشمال كان قائد الطوارق فهرون الانصاري واضحا ورفض الاستقلال والتفرق بين شمال مالي وجنوبها وكذلك فعل والد العباس اغ انتالا في كيدال  وقرروا مقاومة الاستعمار حتى توفوا رحمهم الله … وكذلك سار على هذا النهج زعماء المنطقة الشمالية كلهم من الصونغاي والفلان والبمبارا والطوارق والعرب وغيرهم ..

ترى ما الذي أدى إلى أن يترك بعض من أحفاده هذا الطريق ويواصلوا في بناء الشمال والوطن بأيدي إخوانه … أكيد هناك أسباب ولا أبرئ حكام مالي من مسئوليتهم في ايصالنا إلى ما نحن فيه من قطيعة مع اخواننا وقد تكون لقسوة الطبيعة دورها في زيادة الشرخ وكذلك الإدارات السيئة أيضا .. وكذلك دخول قادة دول المنطقة في اللعبة منذ الثمانينات في التلاعب بالقوم وخاصة بعد اكتشاف وجود خيرات كثيرة لم تكتشف كلها بعد في المنطقة .. والتي يدرك الاستعمار وجودها ولا يمكن له أن يمتصها إلا بعد حصول شرخ سياسي واجتماعي في مالي ..

كل هذه الأشياء  تحتاج إلى دراسة وتغيير وإصلاح ولكن ذلك لا يمكن أن يتم ونحن نحمل السلاح ونفتح البندقية على الشعب وننشئ بيروقراطية قبلية طبقية تتسلط على رقاب العباد وتعصف بالسلام في البلاد …

تماما كهذا الذي حصل في باماكو هذه الأيام … على أحمد كوفا أننا في مالي لن يتم إعادتنا لإمبراطورية قبلية أو قيام دولة ماسينية في وسط مالي تحت شعار ديني يبيح لنفسه قتل الأبرياء واستهداف المرافق ..

لا أعتقد أن ذلك سيتم في مالي ولن يرضى الماليون أن يتم ذلك حتى آخر دم يهرق في سبيل وحدة وطنهم ..

والصمود البطولي الذي أظهر الشعب خلال المعركة الاخيرة دليل على هذه الحقيقة التي ندعيها هنا … وكيف واجهوا بصدور عارية مجموعة من الكتائب المدجحة بالسلاح أوقفوا عناصرها واحدا واحدا …

هذه الرسالة ينبغي لكل من يريد العبث بمستقبل مالي والمنطقة أن يفهموها … وهي رسالة واضحة وغائرة في العمق في أن الطريق الجديد الذي بدأ القادة الجدد يسلكونه إنما هو مشروع شعب وخيار أمة ..

وعلى الجميع احترام ذلك ..

كل عام ودولنا آمتة ومستقرة ومتقدمة وموحدة ..

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *