منصة قلب إفريقيا الإخبارية

كلنا في الهم شرق

الموت وسط الجماعة عرس. عبارة يقولها أحد السودانيين للتخفيف من وقع مصيبة أصابت آخرين غيره، مع أن الموت لن يكون، بأية حال من الأحوال، عرساً. كان من الأصوب أن يقول إنه قد يخفف وقع المصيبة لا أن يحولها إلى عرس. ووجدت العبارة في مقال على وكالة وطن الفلسطينية للأنباء بصيغة “الموت مع الجماعة رحمة”. وفي مجمع الأمثال للميداني ورد بصيغة ” الشر خير إن كان مشتركاً”. وفسره بقوله: “يضرب في تهوين الأمر العظيم يَهْجُم على الخلق الكثير‏”.‏ 

كدت أردد هذه المقولة وأصرخ: “هَيْ، ما برانا” وأنا أقرأ منشوراً وزعه المجلس المنتخب لإحدى المحليات في فرنسا أعلن فيه أن العمدة دعا أعضاء المجلس لمناقشة ستة بنود. لكنه فوجئ في بداية الاجتماع أنه قد غير محضر الاجتماع دون استشارة الممثلين المنتخبين ولا المواطنين المعنيين، وأنه دعاهم لتجديد أعضاء المجلس قبل نهاية العام على أن يوقع من يخلفهم على ميثاق “يلجم من قد يعترض على هذه الديمقراطية المستعارة!”.. أكيد هذا العبقري قد استعار بعض خبراتنا المتراكمة دون الإشارة لسبقنا في هذا المضمار وحفظ حقنا الأدبي.

ويعيب المجلس كذلك على العمدة عدة أشياء، منها:

– إهماله لمطالب واقتراحات المواطنين. ويسخر من العمدة الذي أعلن بكل فخر أنه “سينظم مكان وقوف السيارات وكأنه سيأتي أمراً جللاً”.. طبعاً هو أمر جلل!… ألم يرَ هؤلاء الفرنجة أننا لطالما احتفلنا، بقيادة والينا المعظم، بافتتاح كشك ليمون في ناصية شارع رئيس؟ [أصح من “رئيسي.

– مناقشة تنفيذ مشروع معين دون انتظار نتائج دراسة آثاره على المنطقة وقبل تسليم إذن الشروع في التنفيذ. عجباً لهؤلاء الأعاجم! ألم يسمعوا أن خير البر عاجله؟

– دعوة المجلس لتمديد أمد اتفاق مع جهة معينة إلى الثلاثين من يونيو 2024. وهذا الإتفاق يلزم المحلية بدفع مبلغ مائة ألف يورو كل عام لمدة ثلاث سنوات، وإن تعثر الدفع المجدول يدفع المبلغ كاملاً في نهاية أمد العقد. وأشار المجلس إلى أن اختيار هذه التاريخ لم يكن اعتباطا (ليصادف الذكرى السنوية لثورة الإنقاذ الوطني، مثلاً)، وإنما لأن سيادته لم يدفع القسطين السابقين ولا ينوي دفع الثالث. وفي الثلاثين من يونيو القادم يكون قد غادر منصبه وترك العبء المالي على من يأتي بعده. نفس ديون أنظمتنا السابقة التي سيدفع أحفاد أحفادنا فوائدها.

– المستند الخاص ببنود الميزانية القادمة الذي عرضه العمدة ونائبته على الممثلين المنتخبين كان عبارة عن “نسخ ولصق مليء بالأخطاء من مستند ميزانية محلية أخرى”… كدت أمسك بخناقهما لأنها سرقا ديمقراطيتنا (ديمقراطية السيدين)، لولا أني تذكرت أنهما كانا سيداً وسيدة.

– تخصيص مبلغ كبير لترحيل عدد محدود من زوار فعالية معينة في المحلية، في حين أن أبعد موقف سيارات من مكان الفعالية لا يبعد أكثر من 600 متر، في الوقت الذي كان يرفض فيه باستمرار تخصيص ترحيل لكبار السن الذي يرغبون في المشاركة في فعاليات المحلية.

إن هذا العمدة المسكين قد طلب (العلا)، لكن صعب عليه سهر الليالي لينكب على مجلدات خبراتنا وتجاربنا ليدرسها ويتعلم منها. لذا كانت مخالفاته وما يعاب عليه مجرد مسائل تافهة، لا تساوي ثمن الحبر الذي هريق في المنشور، إذا ما قيست بما (هبره) كبراؤنا. بالمناسبة، ذكر الأستاذ شوقي بدري أن (هبّار) كان من كبار لصوص أمدرمان. ومن اسمه اشتق الفعل (هبر).

 ألم يسمع هذا الجهلول المثل السوداني الذي يقول: “إذا سرقت أسرق جمل”؟

ألم يقرأ بيتي جبران خليل جبران:

فسارق الزهر مذموم ومحتقر

وسارق الحقل يدعى الباسل الخطر

 ألم يأخذ العبرة من صاحب بيرم التونسي الذي سخر منه بقوله:

المهنة رخصتها لما سرقت رغيف

وسرقت من قبل ما تصبح وجيه وشريف

تهجم عالسرقه ليه يا أجهل الجهال

رئيس قلم حضرتك، ولا مدير اعمال؟

 لو بلغ صاحبنا هذا درجة الوجيه والشريف لما تجرأ المجلس (المندس) وأعضاؤه (العملاء) على اتهامه.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *