منصة قلب إفريقيا الإخبارية

السودان قد يكون المنتج الأول للذهب في أفريقيا وبفارق كبير

المعز محمد الحسن

تابعت، في مارس الماضي، محاضرتين عن قطاع الذهب، الأولى عن إنتاج الذهب في السودان ودول أفريقيا جنوب الصحراء، نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية بوزارة الخارجية الفرنسية، والثانية نظمها البنك الدولي عن إنتاج الذهب في السودان.

حقائق مثيرة تم الكشف عنها خلال هاتين المحاضرتين أولها أن الطفرة التي حدثت في إنتاج الذهب عبر التنقيب التقليدي على طول شريط دول جنوب الصحراء الممتد من السودان حتى موريتانيا انطلقت من السودان. وأن هذه الطفرة التي تزامنت مع ارتفاع كبير في أسعار الذهب عالمياً خلال السنوات الماضية، بدأت في إحداث تغيرات عميقة في مجتمعات هذه الدول بالتأثير على التركيبة السكانية والأنماط الاقتصادية والإنتاجية فيها.  وقد ذكرت إحدى الباحثات أنها خلال زيارتها لدولة موريتانيا في إطار دراسة عن التنقيب التقليدي للذهب، اكتشفت أن تجار معدات التنقيب في هذا البلد كلهم من السودانيين. بل أن بعض هذه الدول قد قام بنسخ النموذج السوداني المتعلق بالإطار التشريعي المنظم لنشاط التنقيب التقليدي.

وذكر المتحدثون أن السودان كان قد لجاً لإنتاج الذهب لتعويض فقدانه لموارده النفطية بعد انفصال الجنوب. ويبدوا أن النظام في السودان قد خطط لذلك قبل الانفصال بوقت طويل بدليل افتتاح مصفاة الخرطوم للذهب في عام 2012 عقب الانفصال مباشرة. وقرر السودان التركيز على التنقيب التقليدي لتوفير التكلفة والوقت إذ أن القطاع الصناعي يحتاج لرؤوس أموال ضخمة ويستهلك الكثير من الوقت في الدراسات والتجهيزات الأولية قبل الولوج إلى مرحلة الإنتاج.

اتفق المتحدثون أن هذا القطاع في السودان محاط بالكثير من الغموض وعدم الشفافية خصوصاً فيما يتعلق بكميات الإنتاج والأطراف المستفيدة من هذا الإنتاج. ولم يستبعدوا أن السودان المصنف في المرتبة الثانية أو الثالثة في إنتاج الذهب في القارة بعد غانا وجنوب افريقيا قد يصل الإنتاج فيه إلى معدلات أكبر من هاتين الدولتين والسبب أن الأرقام الرسمية أقل بكثير من الإنتاج الحقيقي الذي يمر معظمه عبر قنوات غير شرعية. ويقدر الإنتاج الحقيقي للذهب في السودان بأكثر من مائة طن في العام. وفي وقت سابق ذكر لي أحد المختصين في تجارة مواد معالجة الذهب أن الرقم أعلى من ذلك بكثير إذا قسناه اعتماداً على معدلات استهلاك مادتي الزئبق والسيانيد التي تشير إلى مستوى إنتاج قد يصل إلى 300 طن في العام. وهذه الأرقام كبيرة جداً إذا علمنا أن الإنتاج العالمي للذهب يزيد قليلاً عن الثلاثة ألف طن في العام. وعزز إنتاج الذهب في السودان ظهور شركات معالجة مخلفات الذهب. تستخلص هذه الشركات الذهب من التراب الذي تشتريه بأسعار رخيصة من مراكز المعالجة الأولية التي تتم باستخدام الزئبق والذي لا تزيد نسبة الاستخلاص عبره عن 34 بالمائة من المعدن،  لتقوم باستخلاص النسبة الأكبر عبر تقنيات أكثر تعقيداً باستخدام مادة السيانيد. ويسيطر على قطاع معالجة المخلفات شركات الأجهزة العسكرية والأمنية في السودان بالإضافة لشركة فاغنر التي كان لديها 12 شركة عاملة في السودان (رغم أن قوانين التعدين في البلاد تحظر على الشركات الأجنبية العمل في مجال مخلفات الذهب).

معظم الذهب المنتج في دول أفريقيا جنوب الصحراء، والذي تدور حوله الكثير من الأنشطة الإجرامية بما في ذلك تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، والمرتبط بكثير من الصراعات الدموية والذي يتسبب في آثار بيئية واجتماعية خطيرة، يذهب للإمارات العربية المتحدة. في السابق كانت سويسرا هي الوجهة الأولى للذهب، إلا أن تشديد القيود الدولية على تجارة الذهب المنتج في مناطق الصراعات أدي لخروج هذا البلد من السوق لتأخذ مكانه الإمارات بفضل سياساتها المتغاضية عن الانتهاكات. وفي الإمارات تبداً رحلة أخرى أكثر غموضاً للذهب بعد أن يعاد تكريره في معاملها ليختفي بعد ذلك في أضابير شبكات وقنوات توزيع معتمة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *