منصة قلب إفريقيا الإخبارية

صكوك العروبة

المعز محمد الحسن

الانتماء لعنصر عرقي معين ليس مدعاة للفخر فهو حدث تحكمه الصدفة. والانتماء لثقافة معينة ليس له علاقة بالعرق لأن الثقافة هي منظومة سلوكية تتألف من عدة عناصر لغوية وفكرية وفنية ومكونات متعلقة بالقيم والأخلاق ولا علاقة لذلك بالتكوين الجيني للإنسان. وأي ثقافة هي إرث بشري ليس لأحد أن يدعي أنه يمتلك حق توزيع صكوكها. من هذا المنطلق فلا أحد من حقه أن ينكر على أي سوداني من بين الأربعين مليون سوداني هويته العربية الأفريقية.

من ناحية أخرى، العروبة كغيرها من الثقافات لديها نموذج قيمي أخلاقي تعرف نفسها عبره. فالعربي يعبر عن هويته بتمجيد قيم الفروسية والكرم والشهامة وتوقير الكبير واحترام النساء. وفي الحروب يحترم العربي عدوه فلا يهينه ولا يعتدى على عرضه. ويأنف العربي من الغدر بعدوه ويدعوه للقتال وجهاً لوجه ويترفع عن قتال الأعزل والنساء والضعفاء. هذه القيم ورثناها في السودان وامتزجت بقيمنا الأفريقية التي تقوم على السماحة والتواضع والمسالمة والتكاتف.

وفي السودان اليوم من يتسللون إلى بيوت المواطنين العزل يشهرون سلاحهم في وجوه الشيوخ العجزة ويضربونهم بالسياط ويقتلون الأطفال ويسلبون النساء حليهن تحت تهديد السلاح وفي نفس الوقت يصرخون بعصبية مفاخرين بانتمائهم العربي. هؤلاء لا ينتمون لأية ثقافة ولا يمكن أن نسمي هذا السلوك “قيماً” بل انحطاط وبربرية. وهو مدعاة للخجل منه والعار، وليس للفخر.

في كتابه الشهير “تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته” وصف نعوم شقير، وهو اللبناني المصري الذي قدم للسودان كموظف في الجيش البريطاني، الشخصية السودانية وأشار لهذا المزيج العربي الأفريقي في تكوينها فكتب:

“أما أخلاق عرب السودان فهي أيضاً الأخلاق المشهورة للعرب في كل زمان ومكان وهي حب الضيافة والكرم والمروءة والشهامة وحب الغزو والنجدة والأخذ بالثأر ومراعاة الجار واحترام العرض والافتخار بالنسب. لكنهم اكتسبوا من جيرانهم السود العناد واحتقار الموت والصبر على مضض الأيام”

ويعبر نعوم شقير عن دهشته من جلد السودانيين وقدرتهم على الصبر على الشدائد بقوله:

” ومن غريب أخلاقهم أنه إذا أتى الجدب واشتد الجوع أغلق الواحد منهم بابه على نفسه وأولاده وانتظر الموت جوعاً ولم يسأل أحداً، خوفاً من التعيير بذل السؤال. والمريض مهما اشتد عليه ألمه لا ينطق بكلمة تدل على ألمه، وكذلك المضروب لا يبدي أقل توجع مهما اشتد عليه الضرب. والمسوق إلى القتل لا يبدي أقل جزع أو خوف. وإذا أظهر المريض أقل توجع أو المسوق إلى القتل أقل جزع أو خوف عيروه وعيروا أولاده من بعده إلى منتهى الذرية”

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *