منصة قلب إفريقيا الإخبارية

  كتب محمد ضياء الدين .. عطر الوردة في زمن الرماد

بورتسودان :قلب افريقيا

في إحد أحياء مدينة أمدرمان العريقة  ، كانت (مريم) و(أحمد) يحلمان بمستقبل يجمعهما تحت سقف واحد. خططا للزواج وحلما بأن يصنعوا لأنفسهم حياة مليئة بالحب والأمل، لكن الحرب لم تكن لتسمح لهما بذلك بسهولة .

 تلك النيران التي اندلعت في الوطن لم تحرق فقط الأرض، بل مزقت الأرواح وفصلت القلوب عن بعضها. تحول الحلم إلى رماد، تماما كما تحول الوطن إلى أنقاض .

كان أحمد يجهز كل ما يحتاجه للزواج. جمع مدخراته القليلة وابتاع بعض الأثاث البسيط، واستدان من أصدقائه ليكمل تكاليف الحفل. كانت الحياة قد أضاءت أخيراً له طريقا نحو السعادة بعد سنوات من الانتظار. لكن في لحظة، اختطف القدر منه كل شيء .

حينما دخل لصوص الحرب الحى ، اقتحموا منزله ونهبوا كل ما جمعه. اختفى الأثاث، وضاعت المدخرات، ولم يبقَ له إلا قلبه المثقل بالحزن. عاد أحمد إلى مريم مكسورا، لكنه لم يكن يعرف أن حبهم أقوى من أي نهب أو تدمير. فالحب، كعطر الوردة، لا يمكن للرماد أن يخنقه .

بعد أيام من الفوضى، قررت مريم النزوح مع عائلتها بعيدا عن الحى ، ولحق بهم أحمد وعائلته بعد فترة .

ورغم الألم والغصة التي رافقتهما، لم يفقدا الأمل. كانت مريم ترى في أحمد سندا وعزاءً، وأحمد كان يرى في مريم شمسا تشرق رغم غيوم الحرب .

في ذلك المعسكر البسيط، حيث كان الناس يفتقدون للأمان والطعام، وجدوا معا حلاً غير متوقع. لم يكن الزواج يعني لهم الأثاث الفاخر أو الحفلات الباذخة .

أرادوا فقط أن يثبتوا أن الحب أقوى من الحرب. اتفقا على أن يكملوا مراسيم الزواج، بعيدا عن كل ما كان ماديا .

عندما سمع أهل المعسكر بأمر زواجهم، تهافت الجميع لتقديم المساعدة. لم يكن لديهم الكثير، لكن قلوبهم كانت مملوءة بالإرادة والعطاء. جلبت النساء كل ما هو متاح وزيّنّ بها المكان .

في تلك الليلة، لمعت السماء بالنجوم، وكأنها تبارك تلك اللحظة. تجمعت نساء المعسكر حول مريم، وغنين لها بأصوات تحمل الشجن والأمل. غنين حتى وقت متأخر من الليل، كما لو أن تلك الأغاني ستعيد البهجة إلى قلوب فقدت الكثير .

وسط هذا الجو البسيط، حمل أحمد يد مريم ووضع خاتما قديما في إصبعها، خاتما لا يملك أي قيمة مادية، لكنه كان يمثل كل شيء بالنسبة لهما .

 كانت تلك اللحظة مليئة بالعاطفة، تعبيرا عن تحدي الظروف وانتصار الحب على الألم .

لم يكن هناك مصور ليوثق تلك اللحظات، ولا طاولات ممتلئة بالطعام الفاخر. كان هناك فقط حب نقي، وعزم على المضي قدما ، وإيمان بأن الحياة يجب أن تستمر، حتى في زمن الرماد .

اختتمت الليلة بحفل صغير، تبادل فيه الجميع التهاني، وضحكوا، كما لو أن الحرب لم تمس قلوبهم. وفي تلك اللحظة، شعر أحمد ومريم بأنهما انتصرا على الرماد، وأن عطر الوردة استطاع أن يعيد للحياة نكهتها الجميلة .

في اليوم التالي، بدأ الناس بالعودة إلى حياتهم المعتادة، لكن في قلوبهم كانت تلك الليلة رمزا للأمل وللإرادة. علمهم أحمد ومريم أن الحياة قد تسرق منا الكثير، لكنها لا تستطيع أن تسلبنا القدرة على الحب والأمل .

وكانت مريم تقول دائما : في زمن الرماد، يجب أن نصنع لأنفسنا عطرا خاصا ، عطر الوردة الذي لا يزول .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *