منصة قلب إفريقيا الإخبارية

كتب محمد إسماعيل أنقا : ثقافة التجري في ظل تداعيات(ماي تغرات)

بورتسودان :قلب افريقيا

للتجري تأثير عميق على (جماعة النرا ).سواء أكان ذلك من الناحية الاجتماعية او الثقافية والعكس صحيح. ولا يوجد في اوساط (النرا )اليوم من لا يحاول الحديث ( بالتجراييت)،وأن كان لايجيدها .والتي تعتبر لغتهم الثانية .

وفي دراستي عن جماليات البيت التراثي التقليدي _للنرا والتجري والهدندوة..  وجدت انها تتماثل من حيث المظهر العام والمعتقد والممارسات .وقد حصلت على مادة مهمة عن ثقافة وتاريخ( النرا)من أفواه المكونات الأخرى. ما يعني :وحدة التراث والتأثير والتاثر.

هذا وفي الحقيقة ان اغلب المجموعات في إريتريا وشرق السودان(العساورتا _والسيهو =سب لعاليت )والبلين والحباب والبيجوك وغيرهم _هي من المتحدثة بالتجري بشكل كلي او جزءي.

 وان معظم قبائل الكسر :(السودرات والالقدين والحفرة والبيتما والبيشا)باستثناء  الكوناما والايليت  ..قد تحولت عبر الأزمان إلى مجاميع لاهجة (بالتجراييت )بلكنات مميزة _وذلك بدلا عن لغاتها ولهجاتها الأصيلة، التي ضاعت واندثرت إلى الأبد.

حتى انهم لا يذكرون اليوم ،اية لغات كانوا يتحدثون في الماضي  ،والحديث بلغة ما لا يشير بالضرورة إلى الاشتراك في العرق والأصل الواحد ، ولاشك ان التجراييت:هي لغة سامية الجذور ،من مجموعة اللغات العربية الجنوبية السبئية _فرع اللغات الحبشية(الجيزية)التي منها:التجرينية والتجري  والامحرية والقوراقي )كما هي مصنفة لدى علماء  اللسانيات والاثنيات.

فالتجرينية):هي اخت التجري ومن نفس الأسرة اللغوية .لكن يبدو أن التجراييت لها امتدادات أخرى متشعبة وانها لم تكن جئزية صرفة بل الجئزية تشكل إحدى فروعها.اضافة إلى(البلويت ).بذلك التجراييت هى :خليط من الجيزية والبلويت القادمة من اواسط الجزيرة العربية عبر مصر .

وهي لغة عربية قديمة كانت تتحدثها (البلو )بموطنها في الصحراء الشرقيه وشمال السودان بالنيل _حول (مروي)في العصر  الروماني . .وهي غير (البداويت) لغة البجة. وتلقى بالبلويت:تاثيرات من اللغات العربية الشمالية القديمة ..كالاوغريتية والإرامية والسريانية والعبرانية وكذلك السومرية   _واخيرا اللغات الشمال شرق سودانية منها (المروية )والكوشية الأخرى-وهي ملاحظات أولية تحتاج إلى من يتناولها ويثبتها بالتمحيص .

وتعد التجراييت من أكبر الروافد الثقافية التي تشكل وجداننا وهويتنا. و التجرينية:هي لغتنا وثقافتنا  وتراثنا وهي ملك لنا جميعا -كذلك الكوناما والساهو والبلين والنرا والعفر .. الخ.

ومن واجبنا الحفاظ عليها كلها بنفس المقدار من الاهتمام.

 وأجد ان التجراييت هذه اللغة الثرية والموغلة في التاريخ.. انها لم تاخذ كفايتا من الاهتمام بالدراسات الجادة والبحث حتى الآن، واجزم انها تحتفظ في طياتها بالكثير من الكنوز والثروات المعرفية التى لم تكتشف بعد .وهي تنتظر من أبنائها بذل جهد اكبر .بل الشد على الأحزمة لتفجير صحوة ثقافة حقيقية وهم اهل لذلك ..وهذا لم يكن تشجيعا للتدريس بلغة الام التي يحلو للبعض ان يربطها ب(هقدف)التي لم تأت بشء جديد في هذا الموضوع، ولا على حساب اللغة العربية التي لم تكن في الأساس مجالا للجدل والأخذ والرد والمساومة .

فعلينا اولا وقبل اصدار الأحكام تحديد الغرض المقصود من التعاطي مع الثقافية والتراث-هل هو:

١_العناية بجانب التراث المادى :الذي يتمثل في الأشغال اليدوية والمهارات والحرف وغيرها من نتاج الفنون الشعبية …إضافة إلى المعمار والآثار.

٢_ام الاهتمام بجمع وتوثيق وارشفة (التراث غير المادي ):العادات والتقاليد والحكايات والاساطير والحكم والامثال والشعر والموسيقى والغناء والرقص وكل ما هو منطوق ومتناول شفاهة .وعكس ذلك وترجمته في الأنشطة.

٣_ام العمل عل تدوين وتطوير اللغات واللهجات المحلية واستخلاص القواميس والكتب المنهجية والتدريس بها (لغة الام)..ام كل ذلك وغيرها ..؟

ويجب التمييز بين الدعوة إلى العصبية القبلية والمناطقية الضيقة التي ينادي بها البعض ..وما هو من النشاط  الثقافي والابداعي .وان كان ذلك في دائرة خاصة جدا_وهو امر لايستدعى معاداة القائم عليه ولومه ومعاتبته على خصوصية ومحدودية نشاطه وقدراته وتكليفه فوق طاقته.

فأتركوا هذا التشنج المشين واقلعوا عن الإدمان على الهدم وتوقفوا عن لعبة حرق. الأوراق تفلحوا  بروح القبول والتفهم والتجاوز (عشان ما نروح فيها كلنا في شربة موية  .

هونوا عليكم وخلوا الأمور كدا على الهداوة والرواقة واعطوا الفرصة للآخر. واي واحد يشيل ويرفع من الجهة التي تليه-وهذا لم يكن الخيار او الحل الامثل بالأحرى..فنحن نطوق إلى صيغة توحد الجهود وتبعث الأمل. فاوقفوا الهدر ..الوقت لايسمح بذلك ولا يكفي  .

ولا يوجد هناك بديل عنكم يمكن استجلابه من كوكب آخر..وفروا الطاقات لما هو افيد للجميع .

فالتراث هو مصدر رخاء ونعمة والتعددية الثقافية ثراء ،ولم يكن يوما من مسببات الخلاف والفرقة والتباعد والتباغض .وهو حق مشاع وملك للبشرية جمعاء، ولم يكن التراث صنما جامدا للتقديس او مادة للتكديس والاحتكار.

وللكل الخيار في التصرف والأخذ والتوظيف والتعديل .وهو خلاف التشويه والتزييف..فإن لم تفعلها انت لنفسك سيفعلها عنك غيرك ولايمكنك منعه عن ذلك عدلا او قهرا .

لذلك فلتكن منا جماعة ناشطة في الحفاظ على ارثها الثقافي الخاص (التجري)-الذي هو اليوم في الصدور لا في السطور.

انها خطوة مباركة ،ولم يكن هناك ما يدعو الى التحسس من جماعة (ماي تغرات) والوقوف في وجهها والنيل منها بالنقد والتجريح وتبادل المهاترات، فا الواجب هو مساعدتها وتشجيعها حتى تخرج من دائرة(ماي تغرات )إلى شواطئ أوسع وافق أرحب وشكرها على روح المبادرة.

والمطلوب من (ماي تغرات) ان تعمل على الاستفادة من الاراء والتوجيهات وتقبل النقد بصدر رحب والمضي قدما في اتجاه تطوير الفكرة حتى تتسع لمجمل الثقافات الاريترية عوضا عن ثقافة التجري وحدها .

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *