منصة قلب إفريقيا الإخبارية

اللاجئون السودانيون في تشاد

عاطف الحاج سعيد 

ثمة موجتان رئيسيتان من اللاجئين السودانيين قدمتا إلى تشاد؛ جاءت الموجة الأولى خلال سنوات الحرب في دارفور التي بدأت في العام 2003م واستقرت في معسكرات بشرق تشاد تحت إشراف الحكومة التشادية والمنظمات الإنسانية الدولية، معظم لاجئي هذه الموجة الأولى جاءوا من المناطق الريفية في دارفور ولم يرتاد أغلبهم التعليم النظامي بسبب غياب التنمية، لذا من غير المتوقع أن يكون لهم اسهام كبير في تطوير التعليم والحياة المدينية بشرق تشاد، ولكن يمكن التأكيد على اسهامهم الكبير والايجابي في تطوير أساليب الزراعة بفضل خبرتهم الكبيرة في الأعمال الزراعية، وقد أشار إلى هذا الأمر أكثر من مرة الدكتور محمد صالح ضوّاي في سفره القيم “العبثيون، رحلة إلى العراديب السبعة”.

جاءت الموجة الثانية من اللاجئين عقب اندلاع حرب أبريل 2023م، وهي موجة هجين من الريفيين وسكان الحضر الدارفوري في الجنينة والفاشر ونيالا وزالنجي ومدن أخرى طالتها المعارك الحربية، إذا يمكن التخمين بأن هذه الموجة يغلب عليها المنحدرين من الطبقة الوسطى المدينية من أطباء ومحامين ومدرسين ومهندسين وصغار تجار وحرفيين وبيروقراطيين، ويتوقع أن يكون لهم تأثير كبير على الحياة العلمية والثقافية في حواضر شرق تشاد، ويساعد في ذلك أن الإنسان السوداني عندما يأتي إلى تشاد لا يحس بهزة الانتقال التي تصيب من ينتقل إلى أوروبا أو حتى إلى دول الخليج، فالحياة التشادية تشبه كثيرا الحياة السودانية ويفسر ذلك التداخل القبلي واللغات والثقافات المشتركة بين البلدين.

يشهد المجتمع التشادي العربفوني حركة ثقافية نشطة تتمظهر في المنتديات الثقافية وحلقات القراءة والكتابة وطباعة الكتب والاحتفاء بها خصوصاً وسط الشباب، وهي حركة واعدة جداً تنضج بهدوء وستؤتي أكلها قريباً، وتحتاج بالطبع إلى أن تتواصل بصورة فاعلة مع خبرات ثقافية نمت من ذات البذور على تربة مشابهة، وهو ما يوفره السودان بتلقائية.

يقارن الأستاذ محمد الحافظ عبد الله، المثقف والمفكر التشادي، بين هجرة العلماء والفقهاء والمثقفين التشاديين إلى السودان في العشرية الثانية من القرن العشرين عقب مذبحة الكبكب الشهيرة والتي أعدم خلالها المستعمر الفرنسي أكثر من أربعمئة عالم وفقيه تشادي، والتأثير الكبير للعلماء الفارين إلى السودان على الحياة العلمية والثقافية فيه عقب استقراراهم (وثّق هذه المذبحة سردياً الروائي التشادي الألمعي روزي جدي في روايته “ارتدادات الذاكرة”)، وبين هجرة محتملة للعلماء والمثقفين السودانيين إلى تشاد عقب الحرب الحالية ويتساءل عن إمكانية الاستفادة منهم في تعزيز النهضة الثقافية التشادية.

ينبغي التأكيد بأن كثير من المثقفين السودانيين تغافل عن التأثير الكبير للعلماء التشاديين في الحياة الثقافية والعلمية في السودان لا سيما في إقليمي دارفور وكردفان خلال النصف الأول من القرن العشرين بسبب أن المقاربة السائدة لمسألة التأثير العروبي- إسلامي على السودان أنه جاء كله عبر البوابة الشمالية قادما من مصر، يستثنى من ذلك قلة على رأسهم الراحل الروائي إبراهيم إسحق صاحب كتاب ” هجرات الهلاليين من جزيرة العرب الى شمال افريقيا وبلاد السودان”.  

عند مقارنة الظروف التي تمت فيها هجرة النخبة الثقافية التشادية إلى السودان في العام 1917م والسياق الذي يحكم هجرة النخبة الثقافية السودانية في الوقت الراهن، يظهر جليا بأن النخبة السودانية ستختار مهاجر أخرى غير تشاد، مع بعض الاستثناءات. عندما انتقل العلماء التشاديون إلى السودان كانت الحياة الاقتصادية بسيطة وأقل تعقيداً، إذ يمكن للعالم أو الفقيه التشادي أن يقيم في أي مدينة سودانية تحت ضيافة أي من شيوخها، ثم يقيم حلقته الدراسية المجانية في مسيد هذا الشيخ، يتزوج من أهل البلدة وربما يحوز قطعة أرض زراعية صغيرة ليستنبت عليها قوت عامه، ثم ينصهر بعدها في المجتمع ويصبح جزءاً أصيلاً منه.

أما هجرة المثقفين السودانيين إلى تشاد في الوقت الراهن فيحكمها في المقام الأول قدرة سوق العمل التشادي على توفير فرص عمل تعاقدية مجزية في مؤسسات القطاعين الخاص والعام، ومن المعلوم بالضرورة أن الاقتصاد التشادي يعاني مثل غيره من اقتصادات منطقة السهل الأفريقي (تعرّف خطأ بمنطقة الساحل الأفريقي) من آثار التغير المناخي ومن تداعيات أزمة جائحة كورونا المستجد ولا قدرة له على توفير مثل هذه الفرص، مع التأكيد بأن الأسواق التشادية يمكنها أن تستوعب الكثيرين وبيسر.

جاء الأستاذ عبد الحفيظ مريود، الصحفي والمثقف السوداني، إلى أنجمينا بعد أشهر من اندلاع الحرب، جاء مستكشفاً لبلد مجاور مجهول بالنسبة له رغم وشائج القربى التي تجمعه بكثير من التشاديين، كنت أحث بعض الأخوة التشاديين لاستيعاب المريود في أي مؤسسة إعلامية خاصة أو حكومية فهو يملك خبرة لا يمكن تجاهلها في مجال الصحافة إذ عمل صحفيا في كبرى المؤسسات الصحفية بالسودان، والإعلام إذ ترأس قسم البرامج السياسية بالتلفزيون القومي وترأس كذلك إدارة البرامج في قناة سودانية 24، والأفلام الوثائقية التي أنتج منها العشرات لصالح قناة الجزيرة الوثائقية القطرية، وباستطاعته أن يرمي بسهمه في تطوير قطاع الإعلام بتشاد، لكنه أمضى أشهر في أنجمينا مستمتعا بالحياة الاجتماعية وبالقراءة حول تشاد وتاريخها ثم غادر لتستوعبه مؤسسة بحثية في بلد خليجي وخسرت تشاد فرصة حقيقية للتثاقف ونقل الخبرات.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *