منصة قلب إفريقيا الإخبارية

   قراءة في رواية “نصف شمس صفراء” للكاتبة المبدعة تشيماماندا نغوزي أديتشي

كتب:ياسر عبدالله ادم

كنت قد قررت في خضم زحمة التزامات الحياة أن أبتعد قليلاً عن الكتابة، إلا أن هذا العمل أبى إلا أن يعيدني إليها من جديد. شعرت وكأن الكاتبة قد تقدمت بطعنٍ ضد قراري، فأجبرتني بقوة جاذبيتها الأدبية ورونق كلماتها أن أعود للكتابة. وما أبهى هذا العودة!

رواية “نصف شمس صفراء” للكاتبة الجميلة المبدعة تشيماماندا أديتشي، أعتبرها واحدة من أعظم الأعمال الأدبية التي قرأتها في الآونة الأخيرة. في هذا العمل، استطاعت أديتشي أن تصوّر الصراعات بكل تعقيداتها، ليحمل القارئ في رحلة بين أروقة الفقر والغنى، حيث يعيش الإنسان في ظل الصراعات، يقاوم، يحب، يكره، ويبحث دائمًا عن معنى وجوده. كما تكشف الرواية عن طموحات المثقفين وتراجيديا الحياة اليومية في نيجيريا في الستينيات.

ولا يسعني إلا أن أقتبس ما قاله الأديب تشينوا أتشيبي، عن هذه الابنوسية الجميلة: “أديتشي جاءت مكتملة”.

تأخذنا الرواية عبر صفحاتها التي تقترب من الأربعمائة في رحلة بين حياة الشقيقتين أولانا وكاينين، اللتين تعكسان جوانب مختلفة من المجتمع النيجيري المتنوع. فقد رسمت أديتشي بكلماتها صورة حية للشخصيات، فأضحت كلٌ منها تمثل جزءًا من الروح النيجيرية المتصارعة بين ثنائية الثراء والفقر، الحداثة والتقليدية، التفاؤل واليأس.

أولانا، الفتاة المثالية التي تعيش في عالم الحب والرومانسية، تقابل شقيقتها كاينين، الشخصية البراغماتية التي تجيد التعامل مع الواقع ببرودٍ ودراية. كل منهما تمثل وجهًا من وجوه النيجيريين، حيث نرى عوالم النخبة المثقفة من جهة، وعالم الفلاحين المكلومين بالفقر والجوع من جهة أخرى.

 وفي خضم هذه التناقضات، تظهر شخصية آوجو، الصبي الذي يعمل خادمًا لدى أودينيبو وأولانا. كان آوجو يجسد الصراع بين الريف والحضر، بين بساطة الحياة وتعقيدات الأفكار النخبوية. تطور آوجو ليصبح رمزًا للأمل، ذلك الذي يجد طريقه حتى وسط العتمة، ويتحول من خادم بسيط إلى جزء من الأسرة، حاملًا على عاتقه قيم الاستقلال والإصرار، وقلبًا ينبض بالتحدي والحب.

أديتشي نقلت الأحداث بعبقرية، فعشت عبر كلماتها توتر العلاقات بين الشقيقتين، وتذبذب الحب بين أودينيبو وأولانا، والحرب الأهلية “حرب بيافرا” التي انطلقت فجأة لتقسم الناس إلى اثنين: أعداءٌ بعد أن كانوا أشقاء. وكيف أن الأفكار الغربية، التي تم استيرادها بغير وعي، ساهمت في تعميق الشقاق الإثني والعرقي، فتحولت المثقفون، تحت غشاوة الفكر الأجنبي، إلى دعاة انفصال وفتنة.

أبرزت الرواية كيف أثرت حرب بيافرا التي جاءت نتيجة للتوترات الاقتصادية والعرقية والثقافية والدينية بين الأعراق النيجيرية المختلفة، وكيف أن الدولة التي أُنشئت على يد المستعمر لم تراعِ الفروق الثقافية والدينية بين أبناء البلد الواحد. وكيف كان لهذه الحرب أثرٌ مدمر على البشر، حيث حلت المجاعة وضاق الحال وعانى الناس من ويلات القتل والاغتصاب.

أديتشي برعت في تصوير أثر الترف على العلاقات الشخصية؛ حبٌ يتبدد عند الشدة، وخيانةٌ تهز أركان النفوس. نقلت لنا صورة المرأة المستقلة في نيجيريا في الستينات، المرأة التي تُصارع لتحقيق ذاتها رغم كل ما يحيط بها من تحديات، وكيف تبرز البراغماتية كاينين في النهاية لتقف إلى جانب قضايا هوية أهلها.

ما كان بوسعي سوى أن أكتب هذه الرواية لتجد نصيبها من القراءة، لمن لم تتاح له فرصة الاطلاع عليها من قبل .

الكاتب بقلب افريقيا ياسر عبدالله ادم

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *