تقرير:ادريس ايات

“نحن من سنقوم بتنظيف البيت”، هكذا عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رؤيته المثيرة للجدل بشأن قطاع غز٠ة، عندما اقترح نقل سكان القطاع البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة إلى مصر والأردن، سواء “مؤقتًا” أو “على المدى الطويل”، بدعوى تمكينهم من “العيش بسلام ولو لمرة واحدة”. وفقًا لتصريحاته، فإن غز٠ة منطقة “دمار كامل” ولا يمكن إصلاحها دون إخلائها بالكامل. وعندما سئل عن مصير سكان غز٠ة بعد إعادة إعمارها، أجاب: “ربما يعودون، وربما يبقون للأبد”، مما يكشف عن رؤية تهدف إلى تغيير ديموغرافي جذري في المنطقة.
▪️تبني خطة اليمين الإسرائيلي المتطرف
ترامب أعاد إحياء خطة اليمين الإسرائيلي المتطرف، التي طالما دعت إلى تهجير سكان غز٠ة إلى سيناء والأردن، لكنها فشلت في تنفيذها عسكريًا. الجديد هنا أن ترامب يسعى لتحقيق هذا الهدف عبر وسائل الضغط السياسي على الدول العربية المجاورة لغز٠ة لقبول هذا الحل. رؤيته لغز٠ة ليست سوى “مكان مثير”، بموقع رائع على البحر وطقس جميل، يمكن أن يصبح مشروعًا اقتصاديًا “رائعًا” بعد إخلائه من سكانه.
▪️ترامب: رجل الصفقات والابتزاز
تصريحات ترامب الأخيرة ليست مفاجئة؛ فهي تعكس شخصيته كرجل صفقات، يُفضّل تحقيق أهدافه بأقل تكلفة ممكنة. فهو الذي أراد شراء غرينلاند من الدنمارك بتهديدات مبطنة، وسعى لضم كندا كولاية أمريكية بخطط احتيالية، ويسعى الآن لزعزعة الصين في السباق التكنولوجي دون مواجهة مباشرة في بحر الصين الجنوبي. في الشرق الأوسط، يستمر ترامب في ممارسة سياسة الضغط القصوى على إيران، عبر تكثيف العقوبات الاقتصادية ورفع القيود عن تسليح إسرائيل، مما يُمكّنها من تصعيد عسكري محتمل ضد طهران.
كذلك ترامب لا يرى في دول الخليج إلا مصدرًا للإيرادات، حيث يبتزّها بتهديدات وهمية حول خطر إيراني مزعوم، رغم أن إيران ليست في وضع يمكنها من تهديد جيرانها عسكريًا. أما في أوروبا، فيسوق “وهم الخوف” من غزو روسي محتمل لإقناعها بزيادة الإنفاق الدفاعي، مستغلًا التوترات الجيوسياسية لتحقيق مكاسب أمريكية.
ترتيبًا على ما سبق؛ وجود شخصيات مثل “ماركو روبيو”، وزير الخارجية الجديد الذي يحمل أوشامًا ذات دلالات صليبية، يعكس مدى توجه الإدارة الأمريكية نحو سياسات أكثر عدائية تجاه العالم غير المسيحي. ومع نفوذ إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والذي يدعي الإلحاد لكنه يتبنى أفكارًا يمينية متطرفة تؤمن بتفوق العرق الأبيض، يبدو أن إدارة ترامب الجديدة تستعد لاتخاذ قرارات جيوسياسية تزيد من تعقيد المشهد الدولي، خاصة بالنسبة للعوالم غير الغربية.
▪️سياسة السم بدل المواجهة
ترامب صادق حين قال إنه “ليس رجل حرب”. لأنّه ” رجل السموم” حيث يتجنب الحرب لكلفتها، لكنه في الوقت ذاته رجل يعرف كيف يُجهز على خصومه بطرق غير مباشرة. يفضل سياسة السم: بطيئة، فعالة، وغير مكلفة، لكنها تترك آثارًا كارثية على المدى الطويل. استراتيجيته لا تعتمد على المواجهة المباشرة، بل على الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تُضعف الخصوم دون تكلفة باهظة.
الخاتمة
تصريحات ترامب الأخيرة وخططه تجاه الشرق الأوسط، وخاصة غز٠ة تعكس رؤية إمبريالية تسعى لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
فقد قال ترامب يوم أمسٍ فقط: “قريبًا، قد نوسّع الولايات المتحدة بشكل كبير من حيث المساحة. لقد كنا على نفس الحجم في قرونٍ مضت.” هذه العبارة التي قد تبدو مبهمة للبعض، تخفي وراءها طموحات جيوسياسية واضحة، تشير إلى اهتمامه بضم أراضٍ جديدة إلى الولايات المتحدة، مع تسليط الضوء على كندا، وجرينلاند، وبنما كأهداف محتملة.
وبحسب تقارير الإعلام الأمريكي، فقد أجرى ترامب قبل بضعة أيام اتصالًا مباشرًا برئيس الوزراء الدنماركي، حيث عبّر بصراحة عن رغبته في شراء جزيرة جرينلاند لضمها إلى الولايات المتحدة. لكن ما إن قوبلت فكرته بالرفض من الجانب الدنماركي، حتى انفجر ترامب في نوبة غضب، معبرًا عن استيائه من الموقف.
تصرفات ترامب هذه أدخلت حالة من القلق حتى بين الدول الأوروبية، التي بدأت تدرك خطورة طموحاته غير التقليدية. بالنسبة لأوروبا، تبدو خطوات ترامب أشبه بمحاولات إعادة رسم الخرائط الجغرافية تحت غطاء من الصفقات السياسية والاقتصادية.
ليست هذه المرة الأولى التي يكشف فيها عن وجهه الحقيقي كرجل يفضل الهيمنة بأساليب غير مباشرة، لكنها تؤكد أن فترته الرئاسية الحالية ستكون محفوفة بالقرارات التي ستجعل العوالم الأخرى تواجه تحديات غير مسبوقة، حتى بالنسبة لحلفائه.
لكن في حالة غز٠ة لقد قالتها المُقاومة بحرفٍ واحدٍ: لن نتحرك من أرضنا شبرًا تحت تبريرات إعادة الإعمار؛ فماذا يُخبئ لهم ترامب برأيكم؟!!
إدريس آيات- قسم العلوم السياسية- جامعة الكويت