منصة قلب إفريقيا الإخبارية

يحي ابراهيم يكتب .. بِأَيَّةِ حالٍ؟

إنقضت قبل أيام عطلات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة التي يُوليها الغربيون اهتماماً كبيراً حيث تُزيّن الشوارع والأماكن العامة والبيوت، ويتبادل الناس الهدايا. وقد ذكر لي أحد الاخوة السودانيين أن الآباء (يُجبرون) على شراء هدايا لأبنائهم، وقد يتم توبيخهم إذا اكتشف المعلمون أنهم لم يشتروها لحظة تفاخر التلاميذ، بعد رجوعهم من العطلة، بما حصلوا عليه من آبائهم وذويهم. وبرر لي ذلك بأن السلطات تمنحهم إعانة مقابل كل طفل، وهي ليست محصورة في الأكل والشرب واللبس فحسب، بل لإدخال البهجة إلى نفوس الصغار في الأعياد أيضاً. 

ويحتفل العشاق والأحباب بهذه الأعياد حتى “كأن كل فتىً في الحي قيسٌ له ليلى يؤرقها الهيام”. ولسان حالهم يقول مع الحاردلو:

البارح انا وقصبة مدالق السيل

في ونسة وضحك لامن قسمنا الليل

وكتين النعام اتشقلبنو الخيل

لا بخلت، لا جادت على بالحيل!

والمرأة الغربية، قطعاً، لا تجاريها صاحبة الحاردلو، ولا غيرها من الشرقيات، كرماً في مواضع كهذه!

وتتبارى وسائل الاعلام في عكس مظاهر الاحتفالات في بث مباشر، حتى تشعرك ألا أحد تعذبه مثل مظاهر الفرح هذه، أو يتساءل مع المتنبئ، في حسرة:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

ومع المعتمد بن عباد، ذاكراً منن الماضي وباكياً محن الحاضر:  

بما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا

فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا

تَرى بَناتكَ في الأَطمارِ جائِعَةً

يَغزِلنَ لِلناسِ، ما يَملِكنَ قَطميراً

بَرَزنَ نَحوَكَ لِلتَسليمِ خاشِعَةً

أَبصارُهُنَّ حَسراتٍ مَكاسيرا

يَطأنَ في الطين وَالأَقدامُ حافيَةٌ

كَأَنَّها لَم تَطأ مِسكاً وَكافورا

لكن وسائل الإعلام تتجاهل الحديث عن هؤلاء الذين تتزايد نسب الانتحار بينهم في هذه الفترة من كل عام، كما أخبرني صديق سوداني مختص في العلاج النفسي. وحسب السلطات المحلية في فرنسا، “تتزايد نسبة الوفيات التي تعزى إلى الانتحار بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، حيث تسجل سنوياً، ما يقرب من 9000 حالة وفاة و200000 محاولة انتحار، بمعدل 25 حالة وفاة يومياً، أي 13.4 حالة انتحار لكل 100000 نسمة، مقارنة بالمتوسط ​​الأوروبي البالغ 10.2. وينتحر الرجال أكثر من النساء (6748 رجلاً مقابل 2154 امرأة في عام 2021)، خاصة بين من تزيد أعمارهم عن 65 عامًا، لكن الانتحار مسؤول عن وفاة أكثر من 400 مراهق في فرنسا كل عام”.

وفقاً لتقرير نشره (المرصد الوطني للانتحار) في سبتمبر 2022، تعد زيادة العزلة الاجتماعية أحد عوامل الخطر على الصحة العقلية، خاصة في الأحياء الشعبية، “حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة والاكتظاظ في المساكن والانحراف، مما يبطئ الحفاظ على علاقات اجتماعية كثيفة ومتنوعة ويقوض آفاق مستقبل الشباب”.

وكنت قد أوردت في كلمة سابقة ما دار بيني وبين عجوز فرنسية تجاوزت الثمانين، حين جاء ذكر حرب السودان وويلاتها، فقلت لها “إن الناس يرون في الحرب الجانب الظاهر منها، كفقد عزيز أو متاع. غير أني أفكر في “تبعثر أسرتي” داخل وخارج السودان، مع يقيني أنني لن أقابل بعض أقاربي ما حييت، حتى لو انتهت الحرب”. فقالت لي بحسرة: ” أنتم معذورون لأن ما حل بكم لم يكن باختياركم. أما أنا فلي عدد من الأبناء والأحفاد يعيشون في نفس هذه المدينة ولم أرهم منذ سنوات، ومتأكدة أنني لن أراهم ما حييت”.

ويشير كلير سكوديلارو، من (المرصد الوطني للانتحار)، إلى الارتباط بين العنف الجنسي الذي يتعرض له الضحايا ومشكلة الصحة العقلية، مشيراً إلى أن “ثلث النساء البالغات اللاتي تعرضن للاغتصاب أو محاولة الاغتصاب حاولن الانتحار أيضًا”.

لمواجهة هذه المشكلة وضعت السلطات الفرنسية خط هاتف يعمل على مدار الساعة، حيث يقوم ممرضون أو علماء نفس بتقديم إجابة لأي شخص يواجه أفكاراً انتحارية أو انتحاراً. وهي خدمة سرية ومجانية ويمكن الوصول إليها في أي مكان في البلاد.

كما جُعل العاشر من سبتمبر من كل عام يومياً عالمياً لمنع الانتحار.

حفظ الله الجميع.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *