لندن :قلب افريقيا
في خطوة تعكس تحولات دبلوماسية في إفريقيا، أعلنت غانا تعليق علاقاتها مع جبهة البوليساريو، وهو قرار أثار تساؤلات حول أبعاده وتأثيره على النزاع الطويل حول الصحراء الغربية. هذا التطور يمثل تحولاً في مواقف بعض الدول الإفريقية تجاه القضية الصحراوية، ويثير النقاش حول مدى استدامة هذا القرار وإمكانية التراجع عنه، خصوصًا في ظل تجارب سابقة لدول اتخذت خطوات مماثلة ثم عدلت عنها.
دلالات القرار: دعم متزايد لمغربية الصحراء
يأتي قرار غانا في سياق دبلوماسي متغير، حيث يعكس دعمًا متزايدًا لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل للنزاع. خاصة مع افتتاح 37 دولة إفريقية قنصليات في الأقاليم الجنوبية، مما يكرس عزلة متزايدة للبوليساريو.
غانا التي كانت قد اعترفت بالبوليساريو عام 1979، تتوجه الآن إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بينها و المملكة المغربية، مما يفتح أفاقا جديدة بين الشركين عنوانها التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والتعليم.
هذه الخطوة تمثل تكملة لمسارات سياسية كثيرة كانت قد اتخذتها 46 دولة من ضمنها 13 دولة أفريقية إزاء نزاع الصحراء، ما بين قطع العلاقات أو تعليق نشاط جبهة البوليساريو منذ مطلع الألفية الثانية.
ويُعزى هذا التحول إلى استراتيجية مغربية محكمة، ترتكز على تعزيز الشراكات الاقتصادية والتنموية مع الدول الإفريقية، ما جعل المغرب شريكًا رئيسيًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي.
قرار نهائي أم مرحلي؟
رغم رمزية القرار، إلا أن التساؤلات تظل قائمة حول مدى صموده, لأن القرار بطبيعة الحال ولد في عهدة الرئيس الحالي لغانا. بالتالي لابد من طرح السؤال: هل نجحت الديبلوماسية المغربية بالفعل في اختراق النظم الأنجلوساكسونية الإفريقية التي طالما كانت معارضة للتوجه المغربي نحو قضية الصحراء؟ الجواب ستكشفه التداعيات السياسية والاقليمية حول هذا الملف ومالذي ستقرر البوليساريو ديبلوماسيا فعله، خصوصا أن المغرب تسعى جاهدة لكسب المزيد من الدعم الدولي في ظل الظروف الراهنة، و التي إن واصلت السير في هذا الاتجاه لا شك أنها قد تنجح في تحقيق قرار مشابه من داخل الأسرة الافريقية ككل.
تجارب مشابهة، مثل تراجع كينيا عن موقف مماثل سابقًا، تظهر أن المصالح السياسية والاقتصادية تلعب دورًا حاسمًا في تحديد مواقف الدول، مما يجعل التراجع عن القرار أمرًا ممكنًا.
أثر القرار على النزاع الإقليمي
قرار غانا يعكس التغيرات الإقليمية التي تصب في مصلحة المغرب، لكنه يظل محدود التأثير على النزاع ككل. القضية الصحراوية لا تزال ضمن أروقة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار، وما زالت القرارات الدولية المتعلقة بها قيد التنفيذ.
في المقابل، يظل الدعم الجزائري للبوليساريو عاملاً رئيسيًا في استمرار النزاع. ومع ذلك، تواجه الجزائر تحديات متزايدة في الحفاظ على موقفها، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية.
السوابق في تغير مواقف الدول
شهدت القارة الإفريقية تغيرات مماثلة في مواقف بعض الدول تجاه البوليساريو. ومع ذلك، تراجعت بعض الدول عن قراراتها بسبب تغير المصالح السياسية أو الاقتصادية. على الجانب الآخر، استطاع المغرب تعزيز موقفه داخل الاتحاد الإفريقي من خلال تدشين قنصليات في الأقاليم الجنوبية، وهو ما يُعدّ اعترافًا ضمنيًا بمغربية الصحراء.
مآلات النزاع ومستقبل القرار
رغم أهمية قرار غانا، إلا أن النزاع يظل معقدًا ومفتوحًا على احتمالات عدة. المغرب يواصل تعزيز موقفه الدبلوماسي، فيما تواجه البوليساريو تحديات متزايدة في ظل تقلص عدد الدول الداعمة لها.
في النهاية، يبقى قرار غانا جزءًا من معركة دبلوماسية مستمرة بين المغرب والبوليساريو، تتأرجح بين المصالح السياسية والاقتصادية. وما إذا كان هذا القرار سيشكل تحولًا استراتيجيًا دائمًا أم مجرد خطوة مؤقتة، يعتمد على التطورات الإقليمية والدولية في الأشهر والسنوات المقبلة.