كتب :طلحة جبريل

سافرت السبت الماضي ليلاً إلى الدار البيضاء بالقطار. كانت الوجهة محطة حافلات ستيام.
وصلت هناك قبل وقت كاف، إذ أحرص دائماً أن أجعل التوقيت لصالحي ، وبالتالي لا أترك الوقت للوقت.
رحت أتمشى في الساحة قبالة مدخل صالة المسافرين. في المبنى القابل لمبنى الحافلات، علقت لوحة كتبت عليها ” المركب الثقافي سيدي بليوط” سألت نفسي لماذا لك أحضر نشاطاً في هذا المركب.
تأملت في قطة ضالة تتمشى هي أيضاً. كنت أحاول تبديد الوقت ، خمنت أن القطة تبحث عن شيء ما لا أعرف كنهه .
في الليالي عادة يتمشى الشعراء والكتاب والقطط الضالة .
دلفت إلى صالة المسافرين في انتظار الصعود إلى حافلة يفترض أن تتحرك في الحادية عشر ونصف ليلاً .
كان هناك 22 راكباً. جلست إلى جانب سنغالي وزوجته. عندما قدمت لهم نفسي ، عرفت هويتهما ، وكانت وجهتهم أكادير .
قلت لهما سبق أن زرت داكار لكن لم يسمح لي بالدخول لأنني كنت آنذاك أغطي الحرب الموريتانية السنغالية في عام 1989 . قيل لي في المطار بأنك غير مسموح لك بالدخول ، أنت كتبت الكثير ضد السنغال. أي أنني كما يقال :
Persona non grata أي شخص غير مرحب به لم يكترث السنغالي وزوجته لحكايتي . راح يتحدثان مع بعضهما . فهمت والتزمت الصمت.
لاحظت وجود قطة أخرى تتمشى في صالة الانتظار . كان جميع المسافرين يلذون بالصمت . بعضهم وضعوا هواتفهم في المكبس الكهربائي ، لشحنها .
سحبت كتاب ” الخوف ..دونالد ترامب في البيت الأبيض” للصحافي الأسطورة : بوب وود وارد . كانت تلك المرة الثانية أقرأ هذا الكتاب.
قرأت بعض الصفحات ، داهمني النعاس . كنت أصارع النوم الذي داهمني .
وجدت نفسي مثل ديك يغفو ثم يصحو .
طلب منا أن نصعد إلى الحافلة . كان مقعدي خلف سائق الحافلة يحمل رقم 2 . أدركت بأنني لن أستطيع النوم .
تحركت الحافلة في الوقت المحدد ، توقفت في محطة أخرى لشركة ستيام ليصد مسافرون آخرون . بعد فترة تحركت من جديد .
قررت أن أنتقل على مقاعد فارغة في آخر الحافلة / حاولن أن أتمدد لكن هيهات .
أخفقت في ذلك . حاولت أن أنام كما تنام الديوم أي جالساً .
كانت رحلة مرهقة .
وصلت الحافلة إلى تارودانت في حدود الساعة السابعة والربع فجراً . كان قد قيل لنا أن موعد الوصول في الثامنة والنصف ، لكن لسوء حظي وصلت قبل الموعد بأزيد من ساعة .
جلست في مقهى في انتظار الأخ خالد مكي الذي أشرف على ترتيبات “الدورة التكوينية” التي سأتولى تأطيرها في قاعة “جماعة أحمر الكلاكشة ” (يماثل المجلس البلدي).
لاحظت أن هناك أعداد من الشبان الأفارقة يتجولون في الساحة التي تقف فيها الحافلات .
تعاطفت معهم كثيراً إذ هم السواد الأعظم الجنوبي المتجهم الأنظمة.
قيل لي من بعد أنهم مهاجرين جاؤوا من عدة دول بحثا عن العمل . معظمهم يعملون في المزارع وخاصة حقول الزيتون.
عندما أشرقت الشمس في الساعة الثامنة والربع
جاء خالد مكي ، رحب بي كثيراً . وقال لي بأن إقامتي ستكون في ” رياض مبروك في مدشر الفقرة ” .
هكذا كان الاسم.
عرفت أن مفردة ” رياض ” تعني فيلة .
أبلغني خالد مكي أن الدورة التكوينية ستنطلق في العاشرة والنصف صباحاً.
ذهبنا إلى “رياض مبروك” .
حجزت لي غرفة واسعة ، أشبه ما تكون جناح في فندق باذخ .
تمنيت أن أقيم فيها لمدة طويلة ، لأكمل خمس كتب لا أجد متسعاً لأكملها.
كان يفترض أن أنام ساعة واحدة فقط ، وأستيقظ لتناول وجبة إفطار ثم أتحرك إلى حيث سيكون الطلاب والشباب الذين سيحضرون ” الدورة التكوينية” ، حددت موضوع الدورة التكوينية كالتالي:
*الشبكات الاجتماعية ما لها وما عليها .
*الأخبار الزائفة ، وكيف نتعرف عليها .

تمددت على فراش وثير ، ونهضت بعد ساعة . ذهبت إلى حيث غرفة الأكل . وجدت هناك أسرة من التشيك ، وشابتان فرنسيتان ، وآخرين لم أعرف هويتهم .
كانت وجبة فطور دسمة.
في الموعد المحدد جاء خالد مكي لنذهب إلى المكان التي ستنظم فيه ” الدورة التكوينية”.
على الرغم من الليلة البيضاء ، كنت في حالة طيبة ، وخمنت بأني سأتحمل المعاناة من أجل شباب ينتظرون هذه الدورة التكوينية منذ مدة .
كنت أقول دائما في مثل هذه المواقف :
أنا صحافي وكاتب ولم أفكر يوماً إلى تغيير صفتي ، إذا طرقت بابي الوزارة ورفضتها، ، كنت أتعامل مع الواقع ولا أتبع الأساطير والخرافات. أحارب من أجل القصة الصحافية الجيدة، كما يفعل أي صحافي يستحق اللقب.
(إلى لقاء في حلقة أخرى من حلقات “رحلة إلى موسم الجنوب “)