لندن :قلب افريقيا

جاء خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة ذكرى الاستقلال الوطني، استجابة لمطالب القطاع العسكري والتعليمي، خصوصا فيما يتعلق بزيادة الرواتب، وقد يرى طيف واسع من المراقبين أنها لفتة مادية نحو القطاعات الأكثر اتساعا في الجمهورية، لامتصاص الاحتجاجات التي شهدها الشارع الموريتاني في الأشهر القليلة الماضية.
صحيح أن زيادات الرواتب في ذكرى عيد الاستقلال الوطني حدثًا مألوفاً بالنسبة للكثيرين، واتخذتها الأنظمة المتعاقبة مسارا تقليديا، ينسي الممتعضين الهموم والاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت تؤرق مضجعهم في السنوات الماضية، ولكنها في المقابل قد لاتكون كافية من ناحية التأثير الإجابي على الطبقة العريضة المتابعة للأوضاع بشكل عام، كما ليس بالضرورة يعتبرها الشارع حدثا مهما نظرا للألفة بينهما.
الحقيقة الدقيقة أن المهتمين بالشأن السياسي ومن تبعهم من المواطنين ينظر بترقب إلى نتائج التعديل الوزاري القادم، والذي سيرسم الوجه التنفيذي الذي سيرافق الشعب الموريتاني لفترة أطول وخصوصا أنّه سيخلصهم من وزاراء فاشلين كلما جلبوا إلى السلطة التأزيم والفساد، لا بد من التفكير بشكل جيد في بدائل وزارية جديدة تقلل فجوة الفشل الرسمي، كما ترقب بعض العيون بشكل أكثر تركيزا إلى تموقع قادة المؤسسة العسكرية بعد زيادة الرواتب، وانتهاء العمر الوظيفي لاكثر الجنرال دورة عسكرية في تاريخ الجيش الموريتاني، خاصة أنها المؤسسة الأكثر ديناميكية وقدرة على تغيير مسار البلاد، إسقاطا على الاستقراء السياسي الذي مرّت به موريتانيا.
مؤسسات عديدة اتخذتها ذئاب المال العام كهوف تستوطنها، ولا تستطيع مؤسسات الرقابة والتفتيش مساءلتها بسبب النّفوذ والضعف القضائي في بعض الأحيان، وأبرز هذه المؤسسات، تآزر، ميناء نواكشوط، ميناء نواذيبو، الشركة الوطنية لتصدير الأسماك، وزارة الزراعة، شركة الماء، كما تعانى مؤسسات أخرى من مئات المتسللين والمتسلقين الذين اتخذوا منها بقرة حلوب، وأبرزهم وزارة الخارجية، التي تتكدست بعشرات المستشارين والملحقين الذين جلبهم الهاتف ونظام المصاهرة العائلي، كما تعاني هذه الوزارة من موت سريري بعد انتهاء العمر الوظفي لعشرة سفراء يرفضون حتى اليوم العودة إلى نواكشوط، بل من بينهم من يقود حِراك قانونيي يمنح السفراء الصّفة السرمدية في المناصب، في نفس الاتجاه هناك سفارات في بلدان شقيقة بلا اعتماد ديبلوماسي، وأبرزهم المملكة العربية السعودية التي يبدو أنها رفضت اعتماد السفير الموريتاني للمرة الثانية على التوالي.
هذه جملة من المصائب تحتاج من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني و معالي الوزير الأّول المختار ولد جاي العمل معا وبحزم لاتخاذ قرارات صعبة في المنظور الاجتماعي التوازني لكنها نافعة لصيرورة الحكم ، واسترجاع الثقة بالحكومة وتمكين القدرات العسكرية والإدارية والسياسية من المساهمة في بناء الدولة المدنية التي يتطلع لها الجميع، لتمكين المواطنين من الوصول إلى الخدمات الأساسية، هناك في المقابل اهتمام أوروبي شرق أوسطي كبير بمحور موريتانيا في المنطقة وضرورة استقرارها، لانها مركز حيوي ونقطة جغرافية استراتيجية للتحرّش بالمناوئين الدوليين في الدّول المجاورة، والحفاظ على الأمن والاستقرار الضرورين في منطقة الساحل الأفريقي.