منصة قلب إفريقيا الإخبارية

 نورالدين صلاح يكتب :   السلام لا يُبنى على شرعنة المليشيات

كتب : نورالدين صلاح

يتجدّد الحديث هذه الأيام في السودان عن مفاوضات وشيكة بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع.

 وبينما لا يختلف اثنان على أن إنهاء الحرب هو ضرورة وطنية ملحّة، فإن المضي في مسار السلام لا يعني القبول بأي تسوية تُفضي إلى تطبيع واقع المليشيات أو منحها مكاسب سياسية أو عسكرية، تكرّس لمنطق القوة وتعيد إنتاج عوامل الحرب.

إن المبدأ الذي يجب أن يحكم أي مفاوضات مقبلة هو أن السلام لا يعني المكافأة، وأن الحل التفاوضي لا يُبنى على قاعدة تقاسم السلطة بين الدولة والمليشيا، بل على تفكيك ظاهرة التمليش بكل أشكالها، واستعادة الدولة لاحتكارها المشروع للعنف.

مخرجات منبر جدة، رغم تعثرها، تظل مرجعية مهمة يمكن البناء عليها، خاصة فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية والإنسانية. غير أن المطلوب هو تطوير هذا المسار باتجاه حل شامل يقوم على إعادة هيكلة المنظومة الأمنية والعسكرية، بدءاً بإنهاء وجود الدعم السريع كمليشيا مستقلة، ودمج أفراده ” المؤهلين و غير المنخرطين في جرائم وانتهاكات ” وفق أسس مهنية، وتحت إشراف لجنة وطنية مستقلة، مع التأكيد على ألا يُمنح هذا التشكيل أي امتياز سياسي في المرحلة المقبلة.

التمليش لا يقتصر على الدعم السريع. بل إن التشكيلات المسلحة التي ظهرت أو توسعت خلال خلال الحرب، حتى وإن قاتلت في صف القوات النظامية، تشكّل خطراً موازياً على استقرار الدولة. ولهذا، فإن أي خارطة طريق نحو السلام يجب أن تُعالج هذه الظاهرة بشكل شامل، وتُعيد هيكلة القطاع الأمني والعسكري ضمن منظومة قومية مهنية موحدة.

من نافلة القول أيضاً، أن تجربة الوثيقة الدستورية لعام 2019 كشفت عن هشاشة الشراكة العسكرية – المدنية في غياب رؤية متفق عليها، كما عرّت أخطاء المحاصصة الحزبية الضيقة التي أسهمت في إضعاف الجبهة المدنية وعجزت عن بناء سلطة انتقالية مستقرة، وبالتالي فإن أي عملية انتقالية جديدة لا بد أن تقوم على عملية سياسية شاملة وذات مصداقية، تعكس التعدد الحقيقي في السودان، ولا تسمح بإعادة تدوير الوصفات التي فشلت سابقاً.

في صلب هذا المسار يجب أن تأتي قضية ” التوافق الوطني التأسيسي” باعتبارها المهمة المركزية للمرحلة المقبلة، فالسودان في حاجة إلى ميثاق سياسي – دستوري يحدد قواعد الخلاف ويضع حداً لاستخدام السلاح والانقلابات كوسائل لإدارة التباين، توافق يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، بعقد اجتماعي جديد، يحتكم فيه الجميع إلى الإرادة الشعبية والمؤسسات، لا إلى منطق الغلبة.

ختاماً، لا بد من التأكيد على أن انهاء الحرب هدف عاجل، لكن السلام الدائم لا يُبنى على مساومات مؤقتة. بل يتطلب معالجة جذرية لبنية الدولة، وتفكيك اقتصاد الحرب، وتجفيف منابع التمليش، وإطلاق عملية انتقالية تقود إلى سودان جديد لا مكان فيه للعنف كأداة سياسية.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *