منصة قلب إفريقيا الإخبارية

كيف تطورت خطة تقسيم السودان منذ تأسيس (تقدم) حتى إعلان نيروبي ؟

قبل ما يقارب التسعة أشهر، تحديداً في 2 يونيو من العام الماضي، نشر موقع صوت السودان خبراً بعنوان “تحركات إماراتية لإعلان سلطة موازية لحكومة بورتسودان وخلافات حول تمثيل آل دقلوا فيها”… نشر هذا الخبر بعد ثلاثة أيام من انقضاء الاجتماع التأسيسي لتنسيقية تقدم نهاية مايو 2024 في أديس أبابا.

يقول الخبر:

“كشفت مصادر أمنية أثيوبية عن تحركات وترتيبات تجري في الوقت الراهن بين الإمارات وبعض المنظمات مع قيادات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لإعلان حكومة موازية لحكومة بورتسودان. وتم التشاور مع حمدوك وخالد سلك وبرمة ناصر على ضرورة تسمية دكتور الهادي إدريس رئيساً للحكومة، على أن يتم اختيار حمدوك رئيساً للوزراء في أول قرار سيتخذه رئيس الحكومة المرتقب الهادي إدريس. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة المقترحة تتكون من مجلس رئاسي، عوضاً عن السيادي الحالي. وتشير المعلومات الواردة في هذا الخصوص إلى الهادي إدريس والطاهر حجر وفضل الله برمة ناصر هم من تم اختيارهم للمجلس الرئاسي حتى الآن. وأكدت المصادر وجود خلاف حول تمثيل آل دقلو في المجلس بين عبد الرحيم والقوني، أو شخص آخر من الدعم السريع شريطة أن يكون من الرزيقات”.

مشاهد من إعلان التأسيس إلى إعلان التقسيم

مشهد أول: إصلاح أمني وعسكري

في أكتوبر 2023، نص البيان الختامي للمؤتمر الأول أو التحضيري لتنسيقية (تقدم)، الذي عقد في أديس أبابا في ذلك الوقت، على ما يلي: “ضرورة الإصلاح الأمني والعسكري، وصولاً إلى الجيش الوطني المهني الواحد، وخروج الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع من النشاط السياسي”.

مشهد ثانٍ: منظومة عسكرية جديدة

في 18 مايو 2024، وقع حمدوك اتفاقين، أحدهما مع عبد العزيز الحلو والآخر مع عبد الواحد محمد نور. اللافت في هذا الحدث ثلاثة أشياء:

* الأول هو أن الاتفاق انتقل من مسألة الإصلاح العسكري لينص على “تأسيس منظومة عسكرية وأمنية جديدة وفق المعايير المتوافق عليها دولياً”. ذلك يعني ضمناً تفكيك الجيش والأجهزة الأمنية، خلافاً لما توافق عليه أعضاء (تقدم) في الاجتماع التأسيسي.

* الأمر الثاني هو أن التوقيع تم بحضور الرئيس الكيني وليام روتو. ذلك يعطي بعداً استراتيجيا كبيراَ للاتفاق.

* الأمر الثالث هو تخطي حمدوك لقنوات اتخاذ القرار في تقدم وتوقيعه على الاتفاق بمبادرة شخصية.

عقب ذلك الحدث، كتب موقع (أفريكا إنتيليجانس)، بعد أيام من توقيع الاتفاق: “يواجه رئيس الوزراء السوداني السابق وزعيم الائتلاف المدني انتقادات متزايدة، سواء داخلياً أو من الدوائر الدبلوماسية الغربية، بسبب مبادراته المستقلة”.

وفعلاً أثار محتوى الاتفاق حفيظة بعض القوى السياسية في (تقدم)، خصوصاً حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي، وأبدت قيادتا الحزبين تحفظهما على ما وصفتاه بـ”مسائل خلافية لا يمكن أن تعالج إلا في إطار مؤتمر دستوري”.

وفي المقابل أعلنت الجبهة الثورية أن المبادئ التي أعلن عنها في اتفاق نيروبي “تتسق تماماً مع رؤية الجبهة الثورية، خصوصاً تلك الداعية لوقف الحرب والرامية لتأسيس حكم مدني ديمقراطي”.

مشهد ثالث: الهادي إدريس نائباً لحمدوك

خلال الفترة من 26 إلى 30 مايو 2024 عقدت تنسيقية (تقدم) اجتماعها التأسيسي في أديس أبابا، الذي خصص لإعلان النظام الأساسي والهيكل التنظيمي للتنسيقية. خلال هذا الاجتماع أعلن عن تعيين الهادي إدريس نائباً لرئيس تنسيقية (تقدم)، عبد الله حمدوك. وقد اعتمد البيان الختامي لهذه القمة، بصورة تكاد تكون شبه حرفية، ما جاء في اتفاقية حمدوك – الحلو- نور، حيث نص على: ” تأسيس وبناء منظومة عسكرية وأمنية احترافية ذات عقيدة قتالية وطنية”.

مشهد رابع: نزع الشرعية واستخدام كل الخيارات

في ديسمبر 2024، شهدت مدينة عنتيبي بيوغندا اجتماع الهيئة القيادية لـ(تقدم). وجاء في البيان الذي صدر بنهاية الاجتماع ما يلي: “ويجب نزع أي شكل من أشكال الشرعية الزائفة والتصدي لها بكافة الوسائل المتاحة وهو ما ستعكف الآلية السياسية بتقدم على مناقشة خياراته من اجل الحفاظ على وحدة السودان أرضاً وشعباً، وتحقيق السلام الدائم والشامل واستكمال ثورة ديسمبر المجيدة”. هذه الفقرة تمثل إعلاناً صريحاً بنزع الشرعية عن الحكومة السودانية القائمة، وتمهيداً ضمنياً لإعلان حكومة موازية بالإضافة، لإنها تحمل إشارة واضحة لإمكانية اللجوء للحل العسكري، أي إعلان حرب شبه صريح.

الملاحظ في مصفوفة الوقائع السابقة، أن تطور الأحداث يصب في اتجاه تحقيق هدفين: الأول تكوين تحالف من الدعم السريع والحركات ا لمسلحة، والثاني الإعلان عن انتزاع الشرعية وتكوين حكومة موازية.

تناقض (صمود)

عقب التوقيع على وثيقة الحكومة الموازية بنيروبي، أصدرت (صمود) بياناً نشر في موقع حزب المؤتمر السوداني باللغة العربية فقط (في السابق كانت تقدم تحرص على ترجمة بياناتها باللغة الإنجليزية)، يشتمل على إعلان رفض (مهذب) لخطوة توقيع “ميثاق تحالف السودان التأسيسي”، الذي وصفه البيان بأنه “حدث لا تصح الاستهانة بتبعاته على مسار الحرب والسلام في بلادنا”. ولم يرد في البيان أي إشارة لموضوع الحكومة الموازية. وفي نهاية البيان أوضحت (صمود) بأن رؤيتها الرافضة للحرب تمثل “طريقاً ديمقراطيا مستقلا لا يتطابق مع أي من أطراف الحرب”. إلا أنها عادت لتؤكد في نهاية البيان بأنها: “سنُخضِع الرؤى التي طرحها ميثاق تحالف السودان التأسيسي، حول عددٍ من القضايا، للدراسة والتقييم داخل مؤسساتها… تركت الباب موارباً.

مقابل هذا الرفض اللطيف، كان رد قادة (صمود) على المشروع المماثل المعلن من جانب الحكومة، مشروع الوثيقة المعدلة، مختلفاً. فعقب تصريح رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بأنهم “مستعدون للبناء على خارطة الطريق التي طرحتها الحكومة السودانية”، هاجم خالد عمر يوسف العمامرة بعنف، واصفاً الوثيقة المعدلة بأنها “ترسخ لدكتاتورية عسكرية”. وأضاف أن العمامرة يروج لأحد “القوتين اللتين تسفكان دماء المواطنين السودانيين حالياً”.

يفهم مما سبق :

– أن وثيقة الحكومة اسمها “وثيقة ترسخ لدكتاتورية عسكرية” والطرف صاحب الوثيقة “قوة تسفك الدماء”.

– وثيقة مليشيا الدعم السريع اسمها “رؤى” و صاحب الوثيقة يسمى “تحالف السودان التأسيسي”.

– وهذا عملياً ما تسميه (صمود) “طريقاً ديمقراطيا مستقلا لا يتطابق مع أي من أطراف الحرب”.

يقول سفير فرنسا الأسبق في الولايات المتحدة، المخضرم جيرار أرو: كثيراً ما ننسى أن السياسية تبنى على الوقائع وليس على المذاهب.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *